التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مداواة النساء الجرحى في الغزو

          ░67▒ (بابُ: مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الجَرْحَى فِي الغَزْوِ)
          2882- ذكر فيه حديث الرُّبَيِّعِ_بضمِّ الرَّاء_ بِنْتِ مُعَوِّذٍ _بكسر الواو_ قالت: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ _صلعم_ نَسْقِي وَنُدَاوِي الجَرْحَى، وَنَرُدُّ القَتْلَى) ثُمَّ ترجم له:
          ░68▒ (رَدِّ النِّسَاءِ الجَرْحَى وَالقَتْلَى إِلَى الْمَدِينةِ)
          2883- ثُمَّ ساقه بلفظِ: (كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ _صلعم_ نَسْقِي القَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الجَرْحَى وَالقَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ).
          وهو مِنْ أفراده ويأتي في الطِّبِّ أيضًا [خ¦5679]، وانفرد مسلمٌ بحديث أنسٍ: كان النَّبيُّ _صلعم_ يغزو بأمِّ سُلَيمٍ ونسوةٍ مِنَ الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى، وكانوا يوم أُحدٍ يجعلون الرَّجلين والثَّلاثة مِنَ الشُّهداء على الدَّابَّة، وتردُّهنَّ النِّساء إلى موضع قبورهم، ولمَّا انصرف رسول الله _صلعم_ لقيتْه حَمْنَةُ بنتُ جحشٍ فقال لها: ((أَعظمَ اللهُ أَجرَكِ في خَالِك حمزةَ)) فقالت: آجرك الله، قال: ((وَفِي أَخيكِ عبدِ اللهِ بنِ جَحشٍ)) فقالت: آجرك الله، ثُمَّ قال: ((وفي زوجك مصعب بن عميرٍ)) فقالت: واحزناه، وسقطتْ على الأرض، فقال: ((إنَّ الرَّجلَ الصَّالح ليحلُّ مِنَ المرأة محلًّا لا يحلُّه أحدٌ)).
          وفيه _كما قال المهلَّب_ مباشرةُ المرأةِ غيرَ ذي مَحرمٍ منها في المداواة وما شاكلها مِنْ إلطاف المرضى ونقل الموتى.
          فإنْ قلت: كيف ساغ ذلك؟ فأجاب بأنَّه يجوز للمُتَجالَّاتِ منهنَّ لأنَّ موضع الجرح لا يُلتَذُّ بمسِّه بل تقشعر منه الجلود وتهابه النُّفوس، ولمسُه عذابٌ للَّامس والملموس، وأما غيرهنَّ فيعالجن بغير مباشرةٍ منهنَّ لهم، بأنْ يصنعنَ الدَّواء ويضعه غيرهنَّ على الجرح، وقد يمكن أنْ يضعنه من غير مسِّ شيءٍ مِن جسده، وأيَّده غيره بأنَّا لم نجد أحدًا مِن سلف العلماء يقول في المرأة تموت مع الرَّجل وعكسه غير ذوي المحارم لا يحضره غيرهم أنَّ أحدًا منهما يغسل صاحبه دون حائلٍ وثوبٍ يستره، وقال الحسن البصريُّ: يُصبُّ عليها مِنْ فوق الثِّياب، وهو قول النَّخَعيِّ وقَتَادة والزُّهْريِّ وبه قال إسحاق، وقالت طائفةٌ: تُيمَّم بالصَّعيد، رُوي ذلك عن سعيد بن المسيِّب والنَّخَعيِّ أيضًا وبه قال مالكٌ والكُوفيُّون وأحمد، وهو أصحُّ الأوجه عند الشَّافعيَّة.
          وقال الأَوْزاعيُّ: تُدفن كما هي ولا تُيمَّم، وهذا كلُّه بدلٌ مِنْ قولهم: إنَّه لا يجوز عندهم مباشرة غير ذوي المحارم لأنَّ حالة الموت أبعدُ مِنَ التَّسبب إلى دواعي اللَّذَّة والذَّريعة إليها مِنْ حال الحياة، فلمَّا اتَّفقوا أنَّه لا يجوز للأجنبيِّ غسلُ الأجنبيَّة مباشرًا لها دون ثوبٍ يسترها دلَّ بأنَّ مباشرة الأحياء الأجنبيِّين أولى بالمنع.