التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا تمنوا لقاء العدو

          ░156▒ باب: لا تمنَّوا لقاء العدوِّ.
          3024- 3025- ذكر فيه حديث ابْنِ أَبِي أَوْفَى ☻ أَنَّ رَسُولَ الله صلعم قَالَ: (لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ) وقد سلف [خ¦2966].
          3026- ثُمَّ قال: وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحمن عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: ((لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا)).
          وهذا التَّعليق أخرجه مسلمٌ عن الحسن الحُلْوانيِّ وعبد بن حُمَيدٍ عن أبي عامرٍ _يعني العَقَديَّ_ به، واسمه: عبد الملك بن عمرو بن قيسٍ القيسيُّ البصريُّ العَقَديُّ، نسبةً إلى العَقَد وهو مولى الحارث بن عُبادٍ _بضم العين_ أخي جُريرٍ _بضمِّ الجيم_ بن عُبادٍ، وعُبادٌ أخو جَحْدَرٍ _واسمه رَبيعةُ_ ابنا ضُبَيْعةَ بن قيس بن ثعلبة بن عُكَابَةَ، مات العَقَديُّ سنة أربعٍ ومئتين.
          وإنَّما نهى الشَّارع أمَّته عن ذلك، لأنَّه لا يُعلم ما يَؤول أمره إليه، ولا كيف ينجو منه.
          وفيه مِنَ الفقه النَّهي عن تمنِّي المكروهات والتَّصدي للمحذورات، ولذلك سأل السَّلفُ العافية مِنَ الفتن والمحن، لأنَّ النَّاس مختلفون في الصَّبر على البلاء، ألا ترى الَّذي أحرقته الجِراح في بعض المغازي مع رسول الله صلعم فقتل نفسه؟ وقال الصِّدِّيق: لأنْ أعافى فأشكرَ أحبُّ إليَّ مِنْ أن أُبتلى فأصبر، ورُوي عن عليٍّ ☺ أنَّه قال لابنه: يا بنيَّ لا تدعُوَنَّ أحدًا إلى المبارزة، ومَنْ دعاك إليها فاخرج إليه لا باغٍ، والله تعالى قد تضمَّن نصر مَنْ بُغي عليه.
          وأمَّا أقوال العلماء في المبارزة، فذكر ابن المُنْذرِ أنَّه أجمع كلُّ مَنْ نحفظ عنه العلم مِنَ العلماء على أنَّ للمرء أن يبارز ويدعو إلى البِراز بإذن الإمام، غير الحسن البصريِّ فإنَّه كرهها ولا يعرفها، هذا قول الثَّوْريِّ والأوزاعيِّ وأحمد وإسحاق، وأباحته طائفةٌ ولم تذكر إذن الإمام ولا غيره، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ، فإنْ طلبها كافرٌ استُحبَّ الخروج إليه، وإنَّما يحسن ممَّن جرَّب نفسه وبإذن الإمام، وسُئل مالكٌ عن الرَّجل يقول بين الصَّفَّين: مَنْ يبارز؟ قال: ذلك إلى نيَّته إن كان يريد بذلك وجه الله فأرجو ألَّا يكون به بأسٌ، قد كان يفعل ذلك / مَنْ مضى، وقال أنس بن مالكٍ: قد بارز البَراء بن مالكٍ مُرْزُبَانَ الزَّأرةِ فقتله، وقال أبو قَتَادة: بارزت رجلًا يوم حُنينٍ فقتلته، فأعطاني رسول الله صلعم سَلَبه، وليس في خبره أنَّه استأذن فيه.
          واختلفوا في معونة المسلم المبارز على المشرك، فرخَّص في ذلك الشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ، وذكر الشافعيُّ قصَّة حمزةَ وعُبيدةَ ومعونةِ بعضِهم بعضًا، قال: فأمَّا إن دعا مسلمٌ مشركًا أو مشركٌ مسلمًا إلى أن يبارزه وقال له: لا يقاتلك غيري أحببت أن يكفَّ عن أن يحمل عليه غيرُه، وكان الأوزاعيُّ يقول: لا يعينوه، وعلى هذا قيل للأوزاعيِّ: وإن لم يشترط ألَّا يخرج إليه غيره؟ قال: وإن لا، لأنَّ المبارزة إنَّما تكون على هذا، ولو حجزوا بينهما ثُمَّ خلَّوا سبيل العِلج المبارز، فإن أعان العدوُّ صاحبهم فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبَهم.