التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مسح الغبار عن الناس في السبيل

          ░17▒ (بابُ: مَسْحِ الغُبَارِ عَنِ الرَّأْسِ فِي السَّبِيلِ)
          2812- ذكر فيه حديثَ عِكْرِمَة: (أَنَّ ابْنَ عبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ، فَاحْتَبَى وَجَلَسَ، فَقَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ المَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ _صلعم_ وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الغُبَارَ، وَقَالَ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).
          قد سلف في بناء المسجد [خ¦447]، أنَّه كان ينقل لبنةً عنه ولبنةً عن رسول الله صلعم، وقال له: ((تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيةُ)).
          وقوله: (وَأَخُوهُ) اعترضه الدِّمْياطيُّ الحافظ فقال: لم يكن له أخٌ مِنَ النَّسب إلَّا قَتَادةُ بن النُّعْمان الظُّفَريُّ، فإنَّه كان أخاه لأمِّه، وقَتَادة مات زمنَ عمرَ، وكان عُمْرُ أبي سعيدٍ أيام بناء المسجد نحوَ عشرِ سنين أو دونها.
          قال ابن بَطَّالٍ: وقوله: (يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ) يريد _والله أعلم_ أهل مكَّة الَّذين أخرجوا عمَّارًا مِنْ دياره، وعذَّبوه في ذات الله، قال: ولا يمكن أن يُتأوَّل على المسلمين لأنَّهم أجابوا دعوة الله، وإنَّما يُدعى إلى الله مَنْ كان خارجًا عن الإسلام، وقوله: (وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) تأكيدٌ للأوَّل لأنَّ المشركين إذ ذاك طالبوه بالرُّجوع عن دِينه.
          فإن قلت: فتنة عمَّارٍ كانت أوَّل الإسلام، وهنا قال: (يَدْعُوهُمْ) بلفظ المستقبل ومَا قلتَه لفظُ الماضي؟ فالجواب أنَّ العرب قد تخبر عن المستقبل بالماضي إذا عُرِف المعنى كعكسه، فمعنى (يَدْعُوهُمْ): دعاهم إلى الله، فأشار إلى ذكر هذا لمَّا تطابقت شدَّتُه في نقله لَبِنَتَين شدَّته في صبره بمكَّة على العذاب تنبيهًا على فضيلته وثباته في أمر الله، ومَسحُه _◙_ الغبارَ عَن رأس عمَّارٍ رِضًا مِنْ رسول الله _صلعم_ بفعله، وشكرًا له على عزمه في ذات الله، قاله المهلَّب.
          وقوله: (لَبِـْنَةً): هو بفتح اللَّام وكسر الباء ويجوز كسرُ اللَّام وإسكان الباء، قال ابن فارسٍ: اللِّبْنَة: مِنَ اللِّبن معروفةٌ، وضبطها بالثَّاني، قال: ويُقال: لَبِنَةٌ.
          وقوله: (وَيْحَ عَمَّارٍ) ترحُّمٌ له، وذلك أنَّ قوله _تعالى_: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل:106] نزلت فيه كما قاله المفسِّرون.