التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل

          ░50▒ (بابُ: الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ وَالفُحُولَةِ مِنَ الخَيْلِ
          وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ الفُحُولَةَ لأنَّهَا أَجْرَى وَأَجْسَرُ).
          2862- (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الله أَخْبَرَنَا شُعْبة عَنْ قَتَادة قالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ _صلعم_ فَرَسًا لأبِي طَلْحَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ، فَرَكِبَهُ وَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا) وقدْ سبق غيرَ مرَّةٍ، وأثر راشدٍ حكاه غيرُه عن أنسٍ عنهم، و(أَحْمَدُ) هذا هو ابن محمَّد بن موسى مَرْدَوَيْهِ، كما قاله الحاكم، أو ابن محمَّد بن ثابت شَبُّويَه، كما قاله الدَّارَقُطْنيُّ.
          وفيه أنَّ ذكور الخيل أفضلُ للرُّكوب مِنَ الإناث لشدَّتها وجرأتها، ومعلومٌ أنَّ المدينة لم تَخْلُ مِنْ إناث الخيل، ولم يُنقل أنَّه _◙_ ولا جملة أصحابه أنَّهم ركبوا غير الفحول، ولم يكن ذلك إلَّا لفضلها على الإناث، إلَّا ما ذُكر عن سعد بن أبي وقَّاصٍ أنَّه كان له فرسٌ أنثى بَلْقاء، نبَّه عليه ابن بَطَّالٍ، وذكر سيفٌ في «الفتوح»: أنَّها الَّتي ركبها أبو مِحْجَنٍ حين كان عند سعدٍ مقيَّدًا بالعراق، وفي «سنن الدَّارَقُطْنيِّ» عن المِقْداد قال: غزوتُ مع رسول الله _صلعم_ يوم بدرٍ على فرسٍ لي / أنثى، ورُوي عن خالد بن الوليد أنَّه كان لا يقاتل إلَّا على أنثى لأنَّها تدفع البول وهي تجري، والفحل يحبس البول في جوفه حتَّى ينفتق ولأنَّ الأنثى أقلُّ صهيلًا، وروى الوليد عن إسماعيل عمَّن أخبره عن عبادة بن نُسَيٍّ _أو ابن مُحَيْريزٍ_ أنَّهم كانوا يستحبُّون إناث الخيل في الغارات والبيات، ولِمَا خفي مِنْ أمور الحرب، وكانوا يستحبُّون فحول الخيل في الصُّفوف والحصون والمتستَّر مِنَ العسكر، ولما ظهر مِنْ أمور الحرب، وكانوا يستحبُّون خصيان الخيل في الكمين والطَّلائع لأنَّها أصبرُ وأبقى في الجهد، وروى أبو عبد الرَّحمن عن معاذ بن العلاء عن يحيى بن أبي كثيرٍ رفعه: ((عَلَيْكُمْ بِإِنَاثِ الخيلِ، فَإِنَّ ظُهُورَهَا عِزٌّ وبُطُونَهَا كَنْزٌ)) وفي لفظٍ: ((ظهورها حِرْزٌ)).
          وقوله: (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا) أي واسع الجري كما سلف، و(إِنْ) في قول الكُوفيِّين بمعنى ما، واللَّام بمعنى إلَّا، وهي عند البصريين مخفَّفةٌ مِنَ الثَّقيلة.