التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو

          ░183▒ باب: مَنْ تَأَمَّرَ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ إِذَا خَافَ الْعَدُوَّ.
          3063- ذكر فيه حديثَ أنسٍ ☺: خَطب النَّبيُّ صلعم فقال: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ فَمَا يَسُرُّنِي _أَوْ قَالَ فما يَسُرُّهُمْ_ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا، قَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ).
          هذا الحديث سلف [خ¦1246].
          وفيه مِنَ الفقه أنَّه لِمَنْ رأى للمسلمين عورةً قد بدت أن يتناول سدَّ خللِها إذا كان مستطيعًا لذلك وعلم مِنْ نفسه مُنَّةً وجزالةً، وهذا المعنى امتثل عليٌّ في قيامه عند قتل عثمانَ بأمر المسلمين بغير شورى منهم واجتماع، لأنَّه خشي على المسلمين الضَّيعة وتفرُّق الكلمة الَّتي آل أمرُ النَّاس إليها، وعلم إقرار جميع النَّاس بفضله، وأنَّ أحدًا لا ينازعه فيه.
          وحديث ابن عمرَ في ذلك في المغازي [خ¦4261]: أمَّر رسول الله في غزوة مُؤتةَ زيدَ بن حارثة، فقال صلعم: ((إن قُتل زيدٌ فجعفرٌ وإن قُتل جعفرٌ فعبدُ الله بن رَوَاحة)).
          وفيه أنَّ تقدُّمهما إلى أخذ الرَّاية بتقديمه صلعم لهما وتوليته إيَّاهما.
          وفيه أنَّ الإمام يجوز له أن يجعل ولاية العهد بعدَه لرجلٍ، ثُمَّ يقول: فإنْ مات قبل موتي فإنَّ الولاية لفلانٍ _رجلٍ آخر يستحقُّ ذلك_ فإن مات المولَّى أوَّلًا فالعقد للثَّاني ثابتٌ.
          فإن قلت: كيف يصحُّ ذلك ولا يخلو مِنْ أن تنعقد ولاية الثَّاني في الحال أو لا تنعقد؟ فإن كانت منعقدةً صارت الإمامة ثابتةً لإمامين وذلك لا يجوز، وإن لم تنعقد للثَّاني في الحال فقد جوَّزتم ابتداء عقدها على شرطٍ وصِفةٍ؟ قيل: إنَّما يجوز استخلاف الاثنين على سبيل التَّرتيب، إذا ترتَّبا في ولاية العهد.
          ولو قيل: إنَّ عقد الولاية ينعقدُ لأحدهما لا بعينه، ويتعيَّن لِمَن انعقدت له عند موت الإمام العاقد كان سائغًا، ألا ترى أنَّ عمر لم يعيِّن على أحدٍ مِنَ السِّتَّة في الشُّورى، وانعقدت لأحدهم الولاية في جهته، وتعيَّن ذلك الواحد منهم بعد موته ووقوع الاختيار مِنْ بينهم عليه، وإن قيل: إنَّ الولاية تنعقد للأوَّل، وأنَّ الثَّاني إنَّما وقع عليه الاختيار مِنْ غير أن تنعقد له ولايةٌ في الحال لتنعقد في الثَّاني، فيلزم الأمَّةَ حينئذٍ اتِّباعُه باختيار الإمام له، وأنَّ اختياره لهم أولى مِنْ نظر مَنْ يتولَّى الاختيار منهم لمكافأتهم كان له وجهٌ، لتعلُّق ذلك بالمصلحة العامَّة والنَّظر للكافَّة.
          وقد وردت السُّنَّة بمثله، وأجمعت الأمَّة على استعماله، ولَّى رسول الله صلعم زيدَ بن حارثة على الجيش الَّذي جهَّزه إلى مُؤتَة، ثُمَّ قال: ((فإن قُتل فأميره جعفرٌ، فإن قُتل فأميره عبدُ الله بن رَواحة))، / رتَّبهم في ولاية الإمارة، وانعقدت بهذه التَّوليةِ إمارته ثُمَّ جعفرٌ بعدَه ثُمَّ عبد الله بعدَه، فإن ولَّى الإمام وليَّ عهدِه وقال: إن مات بعد إفضاء الخلافة إليه بعدي لا قبلي فالإمام بعده فلانٌ، انعقدت ولاية الأوَّل وصار إمامًا عند موت المتخلِّف، فكان لوليِّ العهد في حياته أن يختار غيره لولاية العهد، لأنَّ الحقَّ في الاختيار حينئذٍ يصير إليه بإفضاء الإمامة إليه، قاله بعضُ أهل العراق.
          وقوله: (وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ) قال الدَّاوُديُّ: أي: تدمَعان وقال غيره: تَدفعان الدَّمع.