التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل رباط يوم في سبيل الله

          ░73▒ (بابُ: فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَوْلِه _تعالى_: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية [آل عمران:200]).
          2892- ذكر فيه حديثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ قَالَ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا).
          هذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ أيضًا بدون الزِّيادة الأخيرة، وفي الآية أقوالٌ:
          أحدها: عن الحسن وقَتَادة وابن جُرَيجٍ والضَّحَّاك: اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداءه ورابطوا في سبيله.
          ثانيها: عن محمَّد بن كعبٍ القُرَظيِّ: اصبروا على دينكم وصابروا عدوِّي، ورابطوا أعداءكم واتَّقوا الله فيما بيني وبينكم لعلَّكم تفلحون غدًا إذا لقيتموني.
          ثالثها: عن زيد بن أَسْلَم: اصبروا عَلى الجهاد وصابروا العدوَّ ورابطوا الخيل عليه.
          رابعها: {رَابِطُوا} انتظروا الصَّلاة بعد الصَّلاة في المساجد لأنَّه لم يكن حينَئذٍ رباطٌ ولا فُتحت البلدان الَّتي يكون فيها الرِّباط.
          خامسها: اصبروا على المصائب وصابروا الصَّلوات الخمس ورابطوا أعداء الله، ورُوي عن الحسن.
          والرِّباط ضربان: المُقام بالثَّغر وهو غيرُ الوطن، فإنْ كان وطنه فليس برباطٍ، قاله مالكٌ فيما نقله ابن حبيبٍ، والأصل فيه الآية المذكورة وحديث الباب: (رِبَاطُ يومٍ...) إلى آخره، ورباط الخيل أصله مِنَ الرَّبط بالحبل والمِقْوَد، فمعنى ربْطِها في سبيل الله: اتِّخاذُها لهذا، قال _تعالى_: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60] قال ابن قتيبة: أصل الرِّباط والمرابطة أن يربط هؤلاء خيولَهم وهؤلاء خيولهم في الثَّغر، كلٌّ يُعدُّ لصاحبه، وإنَّما صار رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرًا مِنَ الدُّنيا وما فيها لأنَّه عملٌ يؤدِّي إلى الجنَّة، وصار موضعُ سوطٍ في الجنة خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها / مِنْ أجل أنَّ الدُّنيا فانيةٌ، وكلُّ شيء في الجنَّة باقٍ، وإن صغُر في التَّمثيل لنا وليس فيها صغيرٌ فهو أدوم وأبقى مِنَ الدُّنيا الفانية المنقطعة، فكان الباقي الدَّائم خيرًا مِنَ المنقطع.