التوضيح لشرح الجامع البخاري

كتاب الأنبياء

          ░░60▒▒ كِتَابُ الأَنْبِيَاءِ
          ░1▒ بَابُ: خَلْقِ آَدَمَ صلعم وَذُرِّيَّتِهِ
          {صَلْصَالٍ} [الحجر:26] طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، كَمَا تَقُول: صَرَّ البَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِطْلَاقِ، مِثْلُ: كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ {فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف:189] اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ، {أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف:12] أَنْ تَسْجُدَ.
          الشَّرح: حقيقة الصَّلصال الطِّين اليابس المصوِّت، واخْتَلَفَ العلماء في اسم آدم، فقال أبو جعفرٍ النَّحاس في «اشتقاقه»: قيل: إنَّهُ اسمٌ سِرْيانيٌّ، وقيل: هو أفعلُ مِنَ الأُدْمة، وقيل: أُخذ مِنْ لفظ الأديم لأنَّهُ خُلق مِنْ أديم الأرض، قاله ابن عبَّاسٍ، قال قطرب: لو كان مِنْ أديم الأرض لكان على وزن فاعلٍ وكانت الهمزة أصليَّةً ولم يكن يمنعه مِنَ الصَّرف مانعٌ، وإنَّما هو على وزن أفعلَ مِنَ الأُدْمة، ولذلك إنَّهُ غير مُجرًى، وهذا القول ليس بشيءٍ لأنَّهُ لا يمتنع أن يكون مِنَ الأديم ويكون على وزن أفعل، تدخل الهمزة الزائدة على الأصليَّة، كما تدخل على همزة الأُدمة، فإنَّ الأُدمة همزة / أصليَّة، وكذلك أوَّلُ الأديم همزةٌ أصليَّة، فلا يمتنع أن يُبنى منه أفعلُ فيكونَ غير مُجرًى، كما يُقال: رجلٌ أعينُ.
          وعند ابن الأنباريِّ: يجوز أن يكون أفعلَ مِنْ أَدَمْتُ بين الشَّيئين إذا خلطتَ بينهما، وكان ماء وطينًا فخُلطا جميعًا، قال ابن جَريرٍ: وأولى الأشياء فيه أن يكون فعلًا ماضيًا، وقال النَّضْر بن شُمَيلٍ: سُمِّي بذلك لبياضه، وقال ابن برِّيٍّ في «حواشي المقرَّب»: آدم اسمٌ عربيٌّ لقول ابن عبَّاسٍ: خُلق مِنْ أَديم الأرض، ولولا ذلك لاحتمل أن يكون مثل آزَرَ أعجميًّا، ويكون وزنُه أفعلَ أو فاعَل، مثل: فالَج، ويكون امتناع صرفه للعجمة والتَّعريف إذا جُعل وزنه فاعَل، وهو بالعبرانيِّ: آدام بتفخيم الألف على وزن خاتام.
          فصلٌ: قال ابن دريدٍ في «وشاحه»: خُلق آدمُ مختونًا كنبيِّنا وشِيثٍ وإدريسَ ونوحٍ وسامٍ ولوطٍ ويوسفَ وموسى وسليمانَ وشُعيبٍ ويحيى وهودٍ وصالحٍ، زاد ابن الجوزيِّ في «منتظمه»: وزكريَّا ونبيُّ أهل الرَّسِّ.
          فصلٌ: في «تاريخ الطَّبَريِّ» مِنْ حديث أبي رَوْقٍ عن الضَّحَّاك، عن ابن عبَّاسٍ: ((أمر الرَّبُّ تعالى بتربة آدمَ فرُفعت، فخَلق آدمُ مِنْ طينٍ لازبٍ، ثمَّ قال للملائكة الَّذين كانوا مع إبليس خاصَّةً دون الملائكة الَّذين كانوا في السَّماوات: اسجدوا لآدم، فسجدوا إلَّا إبليس)).
          وفي حديث سعيد بن جُبيرٍ عنه: ((بعث ربُّ العزَّة تعالى إلى إبليس فأخذ مِنْ أديم الأرض مِنْ عَذْبِها ومِلْحِها فخَلقَ منه آدمَ، ومِن ثمَّ سُمِّي آدم لأنَّهُ خُلق مِنْ أديم الأرض، ومِنْ ثَمَّ قال إبليس: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:61] أي: هذه الطِّينة أنا جئتُ بها)).
          زاد الخُتُّليُّ في «ديباجه»: ((فقال له الله: ألم تَعوَّذ بي منكم الأرضُ؟ قال: بلى قال: لأخلقنَّ خلقًا يسوءك منها)) وروى ابن عساكر في «تاريخه» مرفوعًا: ((أهل الجَنَّة ليس لهم كنًى إلَّا آدم، فإنَّهُ يُكنى أبا محمَّدٍ)) وعن كعبٍ: ليس أحدٌ في الجَنَّة له لحيةٌ إلَّا هو، وقيل: موسى، ذكره الطَّبَريُّ، وقيل: هارون.
          وفي «تاريخ الطَّبَريِّ» مِنْ حديث أسباط، عن السُّدِّيِّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبَّاسٍ، وعن مرَّة الهَمْدانيِّ، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ مِنَ الصَّحابة قالوا: ((أرسل الله جبريل ليأتيه بطينٍ منها فعاذت بالله أن ينقصها، فرجع وكذا قال لميكائيل بعده فأرسل ملك الموت، فلمَّا عاذت قال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ مِنْ وجه الأرض وخلط ولم يأخذ مِنْ مكانٍ واحدٍ)).
          وفي حديث حيَّة عن عليٍّ ☺: ((خُلق آدمُ مِنْ أديم الأرض)) ومِنْ حديث عَوفٍ الأعرابيِّ، عن قَسَامةَ بن زُهيرٍ، عن أبي موسى مرفوعًا: ((إنَّ الله خلق آدم مِنْ قبضةٍ قَبَضَها مِنْ جميع الأرض)) وعن سلمان: ((خمَّر اللهُ طينةَ آدمَ أربعين يومًا ثمَّ جمعه بيده)) وعن ابن إسحاق: ((خلق الله آدم ثمَّ وضعه ينظر إليه أربعين عامًا قبل أن ينفخ فيه الرُّوح)).
          فصلٌ: قال ابن فُورَكَ: كان خلقُه على الصُّورة الَّتي كان عليها مِنْ غير أن كان ذلك حادثًا أو منه عن توليد عنصرٍ أو تأثير طبعٍ أو فلَكٍ أو ليلٍ أو نهارٍ، إبطالًا لقول الطبائعيِّين: إنَّ بعض ما كان عليه آدم مِنْ صورته وهيئته لم يخلقه الله، وإنَّمَا كان ذلك مِنْ فعل الطَّبع أو تأثير الفَلَك فيه بقوله: إنَّ الله خلق آدم على صورته على ما كان منه لم يشاركه في خلقه أحدٌ، وخُصَّ آدمُ بالذِّكر مِنْ باب التَّنبيه على الأدنى.
          فصلٌ: روى ابن مَنْدَهْ مِنْ حديث جُوَيْبِرٍ عن الضَّحَّاك، عن ابن عبَّاسٍ ☻: ((إنَّ الله خلق آدم مِن طينٍ بيده، وخلق الطِّين مِنَ الزُّبدة، والزُّبدةَ مِنَ الموجِ، والموجَ مِنَ البحر، والبحرَ مِنَ الظُّلمة، والظُّلمةَ مِنَ النُّور، والنُّورَ مِنَ الحرِّ، والحرَّ مِنَ الآية، والآية مِنَ المصوَّرة، والمصوَّرة مِنَ الياقوتة، والياقوتة مِنَ الكِنِّ، والكِنَّ مِنْ لا شيء)).
          ومِنْ حديث أبي صالحٍ عن ابن عبَّاسٍ ومرَّةَ عن عبد الله: ((خلق الله آدمَ بيده، لكي لا يتكبَّر إبليس عنهُ، فجعله بشرًا أربعين سنةً مِنْ مقدار يوم الجمعة، فمرَّتْ به الملائكة ففزِعوا منه، وكان أشدَّهم منه فزعًا إبليس، ويقول: لأمرٍ ما خُلقتَ، لئن سُلِّطتُ عليه لأُهلكنَّه)).
          قال ابن مَنْدَهْ: ورُوي عن النَّبيِّ صلعم نحوه، وفي لفظ عن ابن عبَّاسٍ: ((أربعين سنةً طينًا، وأربعين صلصالًا، وأربعين مِنْ حمأٍ مسنونٍ، فتمَّ خلقُه بعد مئةٍ وعشرين سنةً، وقال ابن مسعودٍ: بعد مئةٍ وستِّين سنةً)) وعن ابن عبَّاسٍ: مكث أربعين ليلةً جسدًا ملقًى، وعن ابن سلَّامٍ: خلق آدم في آخر ساعةٍ مِنْ يوم الجمعة على عَجَلٍ.