التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يعذب بعذاب الله

          ░149▒ باب: لا يُعذَّب بعذاب الله.
          3016- ذكر فيه حديث أبي هريرةَ ☺ السَّالف في التَّوديع [خ¦2954]، وذكره هناك معلَّقًا وهنا مسندًا عن قُتيبة عن اللَّيث عن بُكَيرٍ.
          3017- وحديثَ عِكرمة أَنَّ عَلِيًّا ☺ حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابنَ عبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: ((لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله)) وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلعم: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)).
          قال المهلَّب: وليس نهيه عن التَّحريق على التَّحريم، وإنَّما هو على سبيل التَّواضع لله، وألَّا يُتشبَّه بغضبه في تعذيب الخلق، إذ القتل يأتي على ما يأتي عليه الإحراق.
          والدَّليل على أنَّه ليس بحرامٍ سَمْلُ الشَّارعِ أعينَ الرُّعاة بالنَّار، وتحريقُ الصِّدِّيق الفُجاءة بالنَّار في مصلَّى المدينة بحضرة الصَّحابة، وتحريق عليٍّ الخوارجَ بالنَّار.
          وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون على أهلها بالنَّار، وقولُ أكثرهم بتحريق المراكب، وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّ معنى الحديث النَّدبُ.
          وممَّن كره رمي أهل الشِّرك بالنَّار عمرُ وابن عبَّاسٍ وابن عبد العزيز، وهو قول مالكٍ، وأجازه عليٌّ، وحرَّق خالد بن الوليد ناسًا مِنْ أهل الرِّدَّة، فقال عمر للصِّدِّيق: انزع هذا الَّذي يُعذِّب بعذاب الله، فقال الصِّدِّيق: لا أَشِيم سيفًا سلَّه الله على المشركين. وأجاز الثَّوْريُّ رمي الحصون بالنَّار، وقال الأوزاعيُّ: لا بأس أن يدخَّن عليهم في المطمورة إن لم يكن فيها إلَّا المقاتِلة ويحرَّقوا ويُقتَّلوا كلَّ قتالٍ، ولو لقيناهم في البحر رميناهم بالنِّفط والقَطِران. وأجاز ابن القاسم حرق الحصن والمراكب إذا لم يكن فيها إلَّا المقاتلة فقط.
          وقوله: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) احتجَّ به مَنْ لا يستتيب المرتدَّ، وهو ابن الماجِشُون، وجمهور الفقهاء على استتابته ثلاثًا فإن تاب قُبلت توبته. ويحتجُّ به للشَّافعيُّ في قوله: مَنِ انتقل مِنْ كفرٍ إلى كفرٍ أنَّه يقتل إن لم يُسلم. ويحتجُّ به أيضًا لِقتل المرتدَّة تفريعًا على أنَّ (مَنْ) للعموم، وقال أبو حَنيفةَ: لا بل تُحبس.