التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل الخدمة في الغزو

          ░71▒ (بابُ: فَضْلِ الخِدْمَةِ فِي الغَزْوِ)
          2888- ذكر فيه حديثَ أنسٍ: (صَحِبْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَكَانَ يَخْدُمُنِي _وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ_ قَالَ جَرِيرٌ: إِنِّي رَأَيْتُ الأنْصَارَ يَصْنَعُونَ شَيْئًا، لَا أَجِدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا أَكْرَمْتُهُ).
          2889- وحديثَه أيضًا: (خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ _صلعم_ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ، اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا).
          2890- وحديثَه أيضًا قال: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ _صلعم_ أَكْثَرُنَا ظِلًّا الَّذي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ، وَأَمَّا الَّذينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ _صلعم_: ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأجْرِ).
          الشَّرح: معنى (بَدَا لَهُ أُحُدٌ) ظَهر، ومعنى (يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) حقيقةً لأنَّ الجمادات تعقل في بعض الأحيان، قال _تعالى_: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الآية [الأحزاب:72] أو يحبُّنا أهله وهم سكَّان المدينة، يريد الثَّناء على الأنصار كقوله _تعالى_: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82].
          وقوله: (لَابَتَيْهَا) يريد الحرَّتين، واحدهما: لابَةٌ، ويجمع على لُوبٍ، ويُجمع لاباتٍ مَا بين الثَّلاث / إلى العشر، فإذا كثُرت جُمعت على اللَّاب واللُّوب، قال الأصمعيُّ: اللَّابة: الأرض ذات الحجارة الَّتي قد ألبسها حجارة سود، وأصله أنَّ المدينة مَا بين لابتين، فحرَّم رسول الله _صلعم_ ما بين لابتيها يُقال: ما بين لابتيها أجهل مِنْ فلانٍ، يُراد: ما بين طرفيها.
          وقوله: (اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا) أي الطَّعام الَّذي يُكال بهما.
          وقوله: وأَكْثَرُ ظِلًّا مَنْ يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ يريد: لم يكن لهم أَخْبيةٌ، وذلك لما كانوا عليه مِنَ القلَّة، وفيه أنَّ أجر الخدمة في الغزو أعظمُ مِنْ أجر الصِّيام إذ كان المفطر أقوى على الجهاد وطلب العلم وسائر الأعمال الفاضلة مِنْ معاونة ضعيفٍ وحمل ما بالمسلمين إلى حمله حاجةٌ.
          وفيه أنَّ التَّعاون في الجهاد والتَّفاوض في الخدمة مِنْ حلٍّ وترحالٍ واجبٌ على جميع المجاهدين، وفيه جواز خدمة الكبير للصَّغير إذا راعى له شرفًا في قومه أو في نفسه أو نجابةً في علمٍ أو دِينٍ أو شبهه، وأمَّا في الغزو فالخادم المحتسِب أفضل أجرًا مِنَ المخدوم الحسيب.