التوضيح لشرح الجامع البخاري

كتاب الاستقراض

          ░░43▒▒ (كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ)
          ░1▒ (بَابُ: مَنِ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ، أَو لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ)
          2385- ذكر فيه حديثَ جَابِرٍ: (غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ _صلعم_ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ أَتَبِيعُنِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ).
          2386- وحديثَ عَائِشَة: أَنَّهُ _◙_ (اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) وقد سلفا [خ¦2097] [خ¦2068].
          وقام الإجماع على أنَّ استقراض النَّقدين والمطعوم جائزٌ، والشِّراء بالدَّين مباحٌ؛ لقوله _تعالى_: {يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، وقد اشْترى الشَّارعُ الجملَ مِنْ جابرٍ في سفره ولم يقضِه ثمنَه إلَّا بالمدينة، وكذا شراؤه مِنَ اليهوديِّ الطَّعامَ إلى أجلٍ، فصار ذلك كلُّه سنَّةً متَّبعةً لا محيصَ عنها.
          فائدةٌ: قول البُخَاريِّ في حديث جابرٍ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ) هو ابنُ سَلَّامٍ البِيْكَنْديُّ وليس محمَّدَ بنَ يوسف البِيْكَنْدِيَّ كما ذكر بعضهم، قال الجَيَّانيُّ: نسبه ابن السَّكن: ابن سَلَّام، وفي نسخة أبي ذرٍّ عن أبي الهيثم: <حَدَّثَنَا محمَّد بن يوسف، حَدَّثَنَا جرير> فذكر حديث بَريرَة، قال أبو عليٍّ: وهو ابن سَلَّامٍ إن شاء الله.
          فائدةٌ ثانيةٌ: اعترض ابن المنيِّر فقال: في التَّرجمة حيفٌ؛ لأنَّ مضمونها جواز الاستقراض والانتفاع بالدَّين لِمَنْ لا عنده وفاءٌ، ويدخل في ذلك مَنْ لا قدرةَ له على الوفاء إذا لم يعلم / البائعُ أو المقرضُ حاله، وهذا تدليسٌ، والَّذِي في الحديث غيرُ هذا؛ لتحقيق قدرته _◙_ على الوفاء بما عقد عليه. قلت: مع أنَّه قال: ((لَا أَشْتَرِي مَا لَيسَ عِندي ثَمَنُه)) أخرجه الحاكم مِنْ حديث ابن عَبَّاسٍ وصحَّحه، وعند الحاكم أيضًا عن عائشة أنَّها كانت تُدان؛ فقيل لها: مَالَك والدَّينَ وليس عندك قضاءٌ؟ قالت: إنِّي سمعت النَّبِيَّ _صلعم_ يقول: ((مَا مِنْ عبدٍ كانت له نيَّةٌ في أداءِ دَينِه إلَّا كان له مِنَ الله _╡_ عَونٌ)) فأنا ألتمس ذلك العونَ. وعن ميمونة بنت الحارث، وابن جعفرٍ مثله، وعن أبي أمامة مرفوعًا: ((مَنْ تداينَ وفي نفسِه وَفاؤُه، ثمَّ ماتَ تجاوزَ الله عنه وأرضى غريمَه بما شاءَ، ومَنْ تداينَ بدينٍ وليسَ في نفسِه وَفاؤُه، ثمَّ ماتَ اقتصَّ اللهُ لغريمِه منه يومَ القيامة)).
          وقد صحَّ ما يقتضي التَّشديدَ فيه، فأخرج على شرط مسلمٍ مِنْ حديث ابن عمر مرفوعًا: ((الدَّينُ رايةُ اللهِ في الأرض، فإذا أرادَ أنْ يُذلَّ عبدًا وضعَها في عنْقه))، وأخرج مِنْ حديث محمَّد بن جَحشٍ _وقال: صحيحُ الإسناد_ أنَّ النَّبِيَّ _صلعم_ قال: ((سُبحانَ الله! مَا أنزلَ الله مِنَ التَّشديدِ))، فسُئل عَن ذلك التَّشديدِ، قال: ((الدَّيْن، والَّذِي نفس محمَّدٍ بيده، ولو قُتِلَ رجلٌ في سبيل الله ثمَّ عَاش وعليه دينٌ مَا دخل الجنَّة حتَّى يُقضى دينُه))، وأخرج أيضًا مِنْ حديثِ عُقبةَ بن عامرٍ _وقال: صَحيح الإسناد_ مرفوعًا: ((لَا تَحتِفُوا أَنفسَكم)) قيل: يا رَسُول الله، وَمَا نَحْتِفُ أنفسَنا؟ قال: ((بالدَّين))، ومِنْ حديث ثَوبانَ _وقال: على شرطهما_ مَرفوعًا: ((مَنْ مات وَهو بريءٌ مِنْ ثلاثٍ: الكِبْرِ والغُلولِ والدَّينِ، دخل الجنَّة)).
          وقد أسلفنا حديثَ أبي هريرة مرفوعًا: ((نفسُ المؤمن معلَّقةٌ بدَينِه حتَّى يُقضى دَينُه)) قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشَّيخين.