التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب استعانة اليد في الصلاة

          ░21▒ بَابُ اسْتِعَانَةِ اليَدِ فِي الصَّلَاةِ، إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ.
          وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: (يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ) وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاة وَرَفَعَهَا، وَوَضَعَ عَلِيٌّ كَفَّهُ عَلَى رُصْغِهِ الأَيْسَرِ، إِلَّا أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا.
          1198- ثمَّ ذكر حديث ابن عبَّاسٍ ومبيته عند ميمونةَ بطوله.
          الشرح: قوله في أثر أبي إسحاق: (وَرَفَعَهَا) كذا في الأصول، وفي بعضها: <أو رفعها> بالألف، وحكاه صاحب «المطالع» خلافًا في الرواية وقال: حذفها هو الصَّواب.
          وقوله: (عَلَى رُصْغِهِ) قال ابن التِّين: وقع في البخاريِّ بالصاد، وهو لغةٌ في الرُّسْغ. قاله الخليل، قال: وقال غيره: صوابه بالسين وهو مِفْصَل الكفِّ في الذِّراع، والقدمِ في الساق.
          وقوله: (إِلَّا أَنْ يَحُكَّ...) إلى آخره هو مِن قول البخاريِّ.
          وحديث ابن عبَّاسٍ في مبيته سلف مِن أوَّل البخاريِّ إلى هنا في اثني عشر موضعًا، ويُستثنى مِن الاستعانة في الصَّلاة الاختصارُ فإنَّه مكروهٌ، وهو وضعُ اليد على الخاصرة، والنهيُ إمَّا لأنَّه فعل الجبابرة، أو اليهودِ في صلاتهم كما سيأتي.
          ووضع الكفِّ على الرُّسْغ كرهه مالكٌ في الفريضة، وأجازه في النَّافلة لطول القيام، وقد سلف، ورُوي أنَّه صلعم أغلق بابًا بين يديه وهو في الصَّلاة.
          ورأى ابن عُمَرَ ريشةً في اللَّيل فظنَّها عقربًا فضربها برجلِهِ، وقد كرِه ذلك مالكٌ، إلَّا أن يؤذيَه في رواية ابن القاسم، وفي روايةٍ عنه: لا بأس به، وفيها الفعل. وكان صلعم يغمِز عائشة بيده إذ سجد فتقبض رجليها.
          وهذا كلُّه دليلٌ على أنَّ الفعل اليسير الذي لا يقع معه كبير شغلٍ لا يؤثِّر في إبطال الصَّلاة، ويُكره لغير عذرٍ. ثمَّ العمل في الصَّلاة القليل عندنا مغتفرٌ دون الكثير. وقسمَه المالكيَّة ثلاثة أقسامٍ: يسير جدًّا، كالغمز وحَكِّ الجسد والإشارة / فمُغتفَرٌ عمدُه وسهوُه، وكذا التَّخطِّي إلى الفرجة القريبة، وأكثرُ مِن هذا يُبطِل عمدُه دونَ سهوِهِ كالانصراف مِن الصَّلاة والمشي الكثير، والخروج مِن المسجد يُبطِل عمده وسهوه.
          واختُلف في الأكل والشرب في السهو، قال ابن القاسم: يبطل كالعمد. وقال ابن حبيبٍ: لا، إلَّا أن يطول جِدًّا كسائر الأفعال. وهذا الباب هو مِن باب العمل اليسير في الصَّلاة، وهو معفوٌّ عنه عند العلماء.
          والاستعانة باليد في الصَّلاة في هذا الحديث: هو وضع الشَّارع يدَه على رأسِ ابن عبَّاسٍ، وفتلِه أُذُنَه. واستنبط البخاريُّ منه: أنَّه لَمَّا جاز للمصلِّي أن يستعين بيده في صلاته فيما يحضُّ به غيره على الصَّلاة ويعينه عليها وينشط لها كان استعانتُه في أمر نفسه ليَقوَى بذلك على صلاته وينشط لها إذا احتاج إلى ذلك أولى.
          وقد اختلف السَّلف في الاعتماد في الصَّلاة والتوكُّؤِ على الشيء، فذكر البخاريُّ عن ابن عبَّاسٍ وعليٍّ ما سلف، وقالت طائفةٌ: لا بأس أن يستعين في صلاته بما شاء مِن جسده وغيره. ذكره ابن أبي شَيْبَةَ. قال: كان أبو سعيدٍ الخُدريُّ يتوكَّأُ على عصاه.
          وعن أبي ذرٍ مثله، وعن عطاءٍ: كان أصحاب محمَّدٍ يتوكَّؤون على العصا في الصَّلاة. وأوتدَ عمرو بن ميمونٍ وتدًا إلى حائطٍ، فكان إذا سئمَ القيام في الصَّلاة أو شقَّ عليه أمسك بالوتد يعتمد عليه. وقال الشَّعبيُّ: لا بأس أن يعتمد على الحائط.
          وكرهت ذلك طائفةٌ، فروى ابن أبي شَيْبَةَ عن الحسن أنَّه كره أن يُعتمَد على الحائط في المكتوبة إلَّا مِن عِلَّةٍ، ولم يرَ به بأسًا في النَّافلة. ونحوَه قال مالكٌ في «المدوَّنة». وكرهه ابن سيرينَ في الفريضة والتَّطوُّع. وقال مجاهدٌ: إذا توكَّأ على الحائط ينقُص مِن صلاته بقدر ذلك. وقد سلف في باب: ما يُكره مِن التَّشديد في العبادة زيادةٌ في هذا المعنى.
          وقول البخاريِّ: (إِلَّا أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا) يريد: فإنَّه لا حرج عليه فيه لأنَّه أمر عامٌّ لا يمكن الاحتراز منه.