-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
باب فضل الجهاد
-
باب: أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله
-
باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء
-
باب درجات المجاهدين في سبيل الله
-
باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم من الجنة
-
باب الحور العين وصفتهن
-
باب تمني الشهادة
-
باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم
-
باب من ينكب في سبيل الله
-
باب من يجرح في سبيل الله
-
باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
-
باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله}
-
باب: عمل صالح قبل القتال
-
باب من أتاه سهم غرب فقتله
-
باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا
-
باب من اغبرت قدماه في سبيل الله
-
باب مسح الغبار عن الناس في السبيل
-
باب الغسل بعد الحرب والغبار
-
باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}
-
باب ظل الملائكة على الشهيد
-
باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا
-
باب: الجنة تحت بارقة السيوف
-
باب من طلب الولد للجهاد
-
باب الشجاعة في الحرب والجبن
-
باب ما يتعوذ من الجبن
-
باب من حدث بمشاهده في الحرب
-
باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية
-
باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل
-
باب من اختار الغزو على الصوم
-
باب: الشهادة سبع سوى القتل
-
باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}
-
باب الصبر عند القتال
-
باب التحريض على القتال
-
باب حفر الخندق
-
باب من حبسه العذر عن الغزو
-
باب فضل الصوم في سبيل الله
-
باب فضل النفقة في سبيل الله
-
باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير
-
باب التحنط عند القتال
-
باب فضل الطليعة
-
باب: هل يبعث الطليعة وحده؟
-
باب سفر الاثنين
-
باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
-
باب من احتبس فرسًا لقوله تعالى {ومن رباط الخيل}
-
باب اسم الفرس والحمار
-
باب ما يذكر من شؤم الفرس
-
باب: الخيل لثلاثة
-
باب من ضرب دابة غيره في الغزو
-
باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل
-
باب سهام الفرس
-
باب من قاد دابة غيره في الحرب
-
باب الركاب والغرز للدابة
-
باب ركوب الفرس العري
-
باب السبق بين الخيل
-
باب ناقة النبي
-
باب بغلة النبي البيضاء
-
باب جهاد النساء
-
باب غزو المرأة في البحر
-
باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه
-
باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال
-
باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو
-
باب مداواة النساء الجرحى في الغزو
-
باب نزع السهم من البدن
-
باب الحراسة في الغزو في سبيل الله
-
باب فضل الخدمة في الغزو
-
باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر
-
باب فضل رباط يوم في سبيل الله
-
باب من غزا بصبي للخدمة
-
باب ركوب البحر
-
باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
-
باب: لا يقول فلان شهيد
-
باب التحريض على الرمي
-
باب اللهو بالحراب ونحوها
-
باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه
-
باب
-
باب الدرق
-
باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق
-
باب حلية السيوف
-
باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة
-
باب لبس البيضة
-
باب من لم ير كسر السلاح عند الموت
-
باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر
-
باب ما قيل في الرماح
-
باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب
-
باب الجبة في السفر والحرب
-
باب الحرير في الحرب
-
باب ما يذكر في السكين
-
باب ما قيل في قتال الروم
-
باب قتال اليهود
-
باب قتال الترك
-
باب قتال الذين ينتعلون الشعر
-
باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر
-
باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
-
باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟
-
باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
-
باب دعوة اليهودي والنصراني وعلى ما يقاتلون عليه
-
باب دعاء النبي
-
باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس
-
باب الخروج بعد الظهر
-
باب الخروج آخر الشهر
-
باب الخروج في رمضان
-
باب التوديع
-
باب السمع والطاعة للإمام
-
باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقى به
-
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
-
باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون
-
باب: كانَ النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال
-
باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}
-
باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه
-
باب مبادرة الإمام عند الفزع
-
باب الجعائل والحملان في السبيل
-
باب الأجير
-
باب ما قيل في لواء النبي
-
باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر
-
باب حمل الزاد في الغزو
-
باب حمل الزاد على الرقاب
-
باب إرداف المرأة خلف أخيها
-
باب الارتداف في الغزو والحج
-
باب الردف على الحمار
-
باب من أخذ بالركاب ونحوه
-
باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو
-
باب التكبير عند الحرب
-
باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير
-
باب التسبيح إذا هبط واديًا
-
باب التكبير إذا علا شرفًا
-
باب: يكتب للمسافر مثل ما كانَ يعمل في الإقامة
-
باب السير وحده
-
باب السرعة في السير
-
باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع
-
باب الجهاد بإذن الأبوين
-
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
-
باب مَن اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجةً وكانَ له عذر هل يؤذن له؟
-
باب الجاسوس
-
باب الكسوة للأسارى
-
باب فضل من أسلم على يديه رجل
-
باب الأسارى في السلاسل
-
باب فضل من أسلم من أهل الكتابين
-
باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري
-
باب قتل الصبيان في الحرب
-
باب: لا يعذب بعذاب الله
-
باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}
-
باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟
-
باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟
-
باب
-
باب حرق الدور والنخيل
-
باب قتل النائم المشرك
-
باب: لا تمنوا لقاء العدو
-
باب: الحرب خدعة
-
باب الكذب في الحرب
-
باب الفتك بأهل الحرب
-
باب ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من تخشى معرته
-
باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق
-
باب من لا يثبت على الخيل
-
باب دواء الجرح بإحراق الحصير
-
باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه
-
باب: إذا فزعوا بالليل
-
باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس
-
باب من قال: خذها وأنا ابن فلان
-
باب: إذا نزل العدو على حكم رجل
-
باب قتل الأسير وقتل الصبر
-
باب: هل يستأسر الرجل؟ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل
-
باب فكاك الأسير
-
باب فداء المشركين
-
باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان
-
باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون
-
باب جوائز الوفد
-
باب التجمل للوفود
-
باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي
-
باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم
-
باب كتابة الإمام الناس
-
باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر
-
باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو
-
باب العون بالمدد
-
باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثًا
-
باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره
-
باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم
-
باب من تكلم بالفارسية والرطانة
-
باب الغلول
-
باب القليل من الغلول
-
باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم
-
باب البشارة في الفتوح
-
باب ما يعطى البشير
-
باب: لا هجرة بعد الفتح
-
باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة
-
باب استقبال الغزاة
-
باب ما يقول إذا رجع من الغزو
-
باب الصلاة إذا قدم من سفر.
-
باب الطعام عند القدوم
-
باب فضل الجهاد
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░150▒ باب: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمَّد:4].
فيه حديث ثُمَامة، أي: السَّالفُ في الصَّلاة [خ¦462]، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}: يَغْلِبَ الآية [الأنفال:67].
اختَلف العلماء في حكم الأسرى، مِنْ أجل اختلافهم في تأويل الآية الَّتي ترجم بها البُخَاريُّ، فقال السُّدِّيُّ وابن جُرَيْجٍ: نسخَها آية السَّيف: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] وقال السُّدِّيُّ: نسخها {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال:57]، ورُوي عن الصِّدِّيق أنَّه لا يفادى بأسير المشركين وإن أعطي فيه كذا وكذا مُدْيًا مِنْ مال الله، وهذا مخالفٌ عنه فيما سيأتي مِنْ إشارته ذلك في أُسارى بدر.
وقال الزُّهْريُّ: كتب عمرُ بن الخَطَّاب: اقتلوا كلَّ مَنْ جرت عليه المواسي، وهو قول الزُّهْريِّ ومجاهدٍ، واعتلُّوا لإنكارهم إطلاق الأسرى بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} الآيات [الأنفال:67]، قالوا: فأنكر الله إطلاق أسرى بدرٍ على نبيِّه على الفداء، فغير جائزٍ لأحدٍ أن يتقدَّم على فعله، وسنَّة الله في أهل الكفر إن كانوا مِنْ أهل الأوثان فقتلُهم على كلِّ حالٍ، قال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية [التوبة:5]، وإن كانوا مِنْ أهل الكتاب حتَّى يسلموا أو يعطوا الجزية، فأمَّا إطلاقهم على فداءٍ يُؤخذ منهم فتقويةٌ لهم، وقال الضَّحَّاك: قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} ناسخةٌ لقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، ويُروى مثله عن ابن عمرَ قال: أليس بهذا أمرنا الله، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمَّد:4]؟ وهو قول عطاءٍ والشَّعْبيِّ والحسن البصريِّ كرهوا قتل الأسير، وقالوا: مُنَّ عليه أو فادِهِ، وبمثل هذا استدلَّ الطَّحَاويُّ فقال: ظاهر الآية يقتضي المنَّ أو الفداء ويمنع القتل. قالوا: ولو كان لنا مِنْ قتلهم بعد الإثخان والإسار ما لنا قَبله لم يفهم قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمَّد:4] فدلَّ أنَّ حكم الكافر بعد الاستيثاق والأسر خلافُ حكمه قبل ذلك.
قال أبو عبيدٍ: والقول عندنا في ذلك أنَّ الآيات جميعًا محكماتٌ لا منسوخَ فيهنَّ، يبيِّن ذلك ما كان مِنْ أحكام رسول الله صلعم الماضية فيهم، وذلك أنَّه عمل بالآيات كلِّها مِنَ القتل والمنِّ والفداء حتَّى توفَّاه الله ╡ على ذلك، فكان أوَّل أحكامه فيهم يوم بدرٍ فعمل بها كلِّها يومئذٍ، بدأ بالقتل فقتل عقبةَ بن أبي مُعَيْطٍ والنَّضْر بن الحارث في قُفولِه، ثُمَّ قدم المدينة فحكم في سائرهم بالفداء، ثُمَّ حكَّم يوم الخندق سعدَ بن مُعاذٍ فقتل المقاتلة وسبى الذُّرِّيَّة، فصوَّبه صلعم وأمضاه، ثُمَّ كانت غزاة بني المُصْطَلِق رَهْط جُوَيْرية بنت الحارث فاستحياهم جميعًا وأعتقهم، ثُمَّ كان فتح مكَّة فأمر بقتل ابن خَطَلٍ ومِقْيَسٍ والقينتين وأطلق الباقين، ثُمَّ كانت حُنينٌ فسبى هَوَازن ومَنَّ عليهم وقتل أبا عَزَّة الجُمَحيَّ يوم أُحدٍ، وقد كان مَنَّ عليه يوم بدرٍ، وأطلق ثُمَامة بن أُثَالٍ، فكانت هذه أحكامَه صلعم بالمنِّ والفداء والقتل، فليس شيءٌ منها منسوخًا، والأمور فيهم إلى الإمام، وهو مخيَّرٌ بين القتل والمنِّ والفداء يفعل الأفضل في ذلك للإسلام وأهله، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ وأبي ثَورٍ.
قال المهلَّب: وأمَّا قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] فإنَّها نزلت في أسرى بدرٍ، أخذ فيهم برأي الصِّدِّيق في استحيائهم وقَبوله الفِداء فيهم، وكان عمر أشار عليه بقتلهم، وأشار عليه غيرُه بحرقهم استبلاغًا فيهم، فبات رسول الله صلعم يرى رأيه في ذلك، وكان أوَّل وقعةٍ أوقعها الله بالكفَّار فأراد الله أن يكسر شوكتهم بقتلهم، فعاتب اللهُ نبيَّه وأنزل عليه الآية: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} يعني: الفِداء {وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال:67] إعلاء كلمته وإظهار دينه بقتلهم، فقال صلعم: ((لو نزلت آية عذابٍ / ما نجا منه غيرُ عمرَ))، لأنَّهم طلبوا الفداء وكانت الغنائم محرَّمةً عليهم.
وقال الطَّبَريُّ في قوله: (لَوْ نَزَلَتْ آيَةُ عَذَابٍ) إلى آخره وقوله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} الآية، [الأنفال:68] إن قيل: كيف استحقُّوا هذه اللَّائمة العظيمة؟ فالجواب أنَّه صلعم ومَنْ شهد معه بدرًا لم يخالفوا أمر ربِّهم فيستوجبوا اللَّائمة، وأنَّ الَّذين اختاروا فداء الأسرى على قتلهم اختاروا أوهن الرَّأيين في التَّدبير على أحزمهما وأقلَّهما نكايةً في العدوِّ، فعاتبهم الله على ذلك وأخبرهم أنَّ الأنبياء قبله لم تكن الغنائم حلالًا لهم فكانوا يَقتلون مَنْ حاربوا ولا يأسرونه على طلب الفداء، فالمعنى: لولا قضاءٌ مِنَ الله سبق أنَّه يحلُّ لكم الغنيمة ولا يُعذَّب مَنْ شهد بدرًا لمسَّكم فيما أخذتم مِنَ الفداء عذابٌ عظيمٌ.
وفي حديث ثُمَامة مِنَ الفقه جوازُ المنِّ على الأسير بغير مالٍ، وهو قول الثَّلاثة: مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ وأبي ثَوْرٍ، وقالوا: لا بأس أن يفادَوا بأسرى المسلمين وبالمال أيضًا، وقال الطَّحَاويُّ: اختَلف في هذه المسألة قولُ أبي حَنيفةَ، فرُوي عنه أنَّ الأسارى لا يُفادى بهم ولا يُردُّون حربًا لأنَّ في ذلك قوَّةً لأهل الحرب، وإنَّما يُفادَون بالمال وما سواه ممَّا لا قوة لهم فيه، ورُوي عنه أنَّه لا بأس أن يُفادى بالمشركين أسارى المسلمين، وهو قول صاحبيه، ورأى أبو حَنيفةَ أنَّ المنَّ منسوخٌ، وقيل: كان خاصًّا برسول الله صلعم، قال ابن القَصَّار: وممَّا يرد عليه أنَّا اتَّفقنا معه على أنَّ مكَّة فُتحت عَنوةً، وأنَّه صلعم مَنَّ عليهم بغير شيءٍ كما فعل بثُمامة.
ولخَّص الخلاف في المسألة النَّحَّاسُ فقال في قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}: [التوبة:5] للعلماء فيها ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنَّها منسوخةٌ، ولا يحلُّ قتل أسيرٍ صبرًا وإنَّما يُمنُّ عليه أو يُفدى، وناسخها قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمَّد:4] قاله: الحسن والضَّحَّاك والسُّدِّيُّ وعطاءٌ، زاد الطَّبَريُّ: والشَّعْبيُّ كما سلف.
ثانيها: تعيَّن القتل في الأسرى، والآية ناسخةٌ لقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمَّد:4] وهو قول قَتَادة، ويُروى عن مجاهدٍ.
ثالثها: أنَّهما محكمتان، وهو قول ابن زيدٍ وهو صحيحٌ بيِّنٌ، لأنَّ إحداهما لا تنفي الأخرى، ينظر الإمام في ذلك ما يراه مصلحةً مِنَ الأمور الثَّلاثة السَّالفة.
فائدةٌ: قال الدَّاوُديُّ لمَّا ذكر الآية في البُخَاريِّ: وفيه قوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8]، وقوله: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأُسْارَى} [الأنفال:70].
ثانيةٌ: قال مجاهدٌ: الإثخان: القتل، وقيل: حتَّى يبالغ في قتل أعدائه، وقيل: حتَّى يتمكَّن في الأرض، والإثخان في اللُّغة: القوَّة والشِّدَّة.
ثالثةٌ: حاصل ما سلف أنَّ مَنْ منع القتل شاذٌّ وأنَّ الَّذي عليه كافَّة الفقهاء الجوازُ، وكذا المنُّ والفداء جائزان عند الثَّلاثة، خلافًا لأحد قولي أبي حَنيفةَ، والآية في المنِّ والفداء صريحٌ، وكذا المنُّ على ثُمَامة، فالإمام مخيَّرٌ في الرِّجال المقاتلة بين خمسة أشياء: الجزية أو القتل أو الاسترقاق أو المنِّ أو الفداء، وفي النِّساء والصِّبيان بين ثلاثةٍ: المنِّ والفداء والاسترقاق.