التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مناقب الانصار

          ░░63▒▒ (بَابُ مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ...}) إلى قوله: ({مِمَّا أُوتُوا} [الحشر:9]).
          ثمَّ ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          3776- حديثَ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: (قُلْتُ لأَنَسٍ ☺: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ أَمْ سَمَّاكُم اللهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا الله. كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ فَيُحَدَّثَنَا بمَنَاقِبِ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدِهِمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا).
          3777- وحديثَ عَائِشَةَ ♦: (كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُم، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا، فَقَدَّمَهُ اللهُ ╡ لِرَسُوْلِهِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلَامِ).
          3778- وحديثَ أنسٍ ☺: (قَالَتِ الأَنْصَارِ يَوْمَ فَتْحِ مكَّةَ، وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلعم فَدَعَا الأَنْصَارَ فَقَالَ: مَا الذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الذِي بَلَغَكَ، قَالَ: أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالغَنَائِم إِلَى بِيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلعم إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ).
          الشرح: معنى (تَبَوَّؤُا) اتخذوا ولزموا، و(الدَّارَ) المدينة، قال مُحَمَّد بن الحسنِ بن زَبالةَ المدَنِيُّ: وكذا الإيمان ثمَّ نعت أنفسهم فقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر:9]، وقوله: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر:9]: المهاجرين، قال الحسنُ: الحاجة: الحسد، قال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر:9]، قال الدَّاوديُّ: دعاهم النَّبيُّ صلعم إلى أن يقطع لهم بالبحرين، فقالوا: حتَّى تقطع لإخواننا المهاجرين، فقال: ((سَتَرونَ بَعْدِي أَثَرَةً فاصِبْرُوا حتَّى تلقوني)). وقال أبو هُرَيْرةَ ☺: نزلَ رجلٌ مِن الأنصار يُقَال له: أبو المتوكِّل ثابتُ بن قيسٍ ضيفٌ، ولم يكن عنده قوتٌ إلَّا قوتَه وقوتَ صبيانه، فقال لامرأته: أطفئي السِّرَاجَ ونوِّمي الصِّبيةَ، فنزلت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية [الحشر:9]، وسيأتي في البخاريِّ قريبًا بأتمَّ مِن هذا [خ¦3798] وكذا الذي قبلَه.
          فَصْلٌ: الأَنْصَارُ: اسمٌ إسلاميٌّ لنصرَتِهم رسولَ الله صلعم، وإنَّما كانوا يُعرفون بأولاد قَيْلَةْ وبالأَوْسِ والخَزْرَجِ، ولَمَّا وفد النُّعْمَانُ بن بَشِيرٍ مع قومه مِن الأنصار على مُعَاوِيَةَ قال للحاجب: استأذن للأنصار، فقال عمرو بن العاصي: ما هذا اللَّقب، اخرج فنادِ مَن كان هنا من ولد عَمْرو بن عامرٍ فليدخل، فدخل ناسٌ قليلٌ، قال: اخرج فنادِ مَن كان هنا من ولد قَيْلَةَ أو مِن أولاد الأوس والخزرج فليدخل، فلم يدخل أحدٌ، فقال مُعَاوِيَة: اخرج فقل: ليدخل الأنصارُ، فدخَّلَهُم يقدمُهم النُّعمان وهو يقول:
يا عَمْرُو لا تَعْدُ الدُّعَاءَ فَمَا لَنَا                     نَسَبٌ نُجِيبُ بهِ سِوى الأَنْصَارِ
نَسَبٌ تَخَيَّرهُ الإِلَهُ لِصَحْبِنَا                     أَثْقِلْ بِهِ نَسَبًا عَلَى الكُفَّارِ
إنَّ الَّذِين نَفَرُوا بِبَدْرٍ مِنْكُمُ                     يَوْمَ القَلِيْبِ هُم وُفُودِ الأَنْصَارِ
          ذكره أبو الفَرَج الأُمَوِيُّ.
          فَصْلٌ: وقولها: (كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِه...) أي قُتِل فيه رؤساء الأوس والخزرج؛ لأنَّهم لو بَقُوا أَنِفوا أن يقعوا تحت حكم رسول الله صلعم، ويوم بُعَاث سلف في العيدين [خ¦952]، وهو بالعين المهملة، ورُوِي بالغين المعجمة وبضمِّ الباء وفتحها، حكاهما في «الجامع»، والأشهرُ تركُ صرفِه ويجوز صرفُه، حكاه في «المطالع»، وعند أبي ذرٍّ بالمعجمة بلا خلافٍ وأنكرَ غيره، قال العسكريُّ: لم يُسمع مِن غير الخليل، وقال الأَزْهَرِيُّ: صحَّفَه ابنُ المُظفَّرِ، وما كان الخليل ليخفى عليه هذا اليوم لأنَّه مِن مشاهير أيَّام العرب، وإنَّما صحَّفَه اللَّيثُ وعَزَاه إلى خليلٍ نفسِه وهو لسانُهُ، وأمَّا النَّوويُّ فعزاها إلى أبي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المثنَّى، وهو / يومٌ مِن أيَّام الأوس والخزرج معروفٌ، وذكره الواقديُّ وابنُ إسحاقَ، وكان الظُّهُور فيه للأوس. وقال أبو موسى المَدِينيُّ: بُعَاث حِصْنٌ للأوس، وقال أبو عُبَيدٍ البكريُّ: على ليلتين مِن المدينة، قال العسكريُّ: وهو يومٌ مذكورٌ كان في الجاهليَّة وإلى قبل الإسلام، وكان الرئيس فيهم حُضَير الكَتَائبِ أبو أُسَيدٍ، وكان فارسَهم، ويُقَال: إنَّه ركز الرُّمح في قدمه يومَ بُعَاثَ، وقال: أترون أنِّي أفرُّ فقُتل يومئذٍ، وكان له حِصْنٌ منيعٌ يُقَال له: واقِم.
          قال في «الجامع»: سُمِّي بُعَاثَ لنهوض القبائل فيها بعضِها على بعضٍ، قال في «الواعي»: بقيتِ الحربُ بينهم قائمةً مائة وعشرين سنةً حتَّى جاء الإسلام. وقال صاحب «مائدة الأدباء»: فبقيت بينهم أربعين سنةً، وقال ابن الأثير: سببه قتلُ الْمُجَذَّرِ بن زياد سُوْيدَ بن الصَّامِتِ.
          فَصْلٌ: وقول الأنصار يوم فتح مكَّةَ: (وَأَعْطَى قُرَيْشًا) أي مِن غنائم حُنينٍ بعد فتح مكَّةَ؛ لأنَّ أهلَ مكَّةَ لم تقسَّم أموالهم ولا أُخِذت، ولم يَقبل منهم إلَّا الإسلامَ أو السيفَ، وكان حكمهم وحُكم أموالهم خلافُ حكم غيرِهم؛ لم يُسَترقُّوا، ولم يجرِ على مَن أُسِر منهم رِقٌّ ولا عِتْقٌ ولا ولاءٌ، ولم يَقبَل منهم جزيةً.