التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين}

          ░31▒ (بابُ: قَوْلِ اللهِ _تعالى_: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:95-96]).
          2831- ثُمَّ ساق حديثَ البَرَاءِ: (لَمَّا نَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] دَعَا رَسُولُ اللهِ _صلعم_ زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء:95]).
          2832- وحديثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عن مروانَ عن زيدٍ مثله.
          الشَّرح: حديث البراء أخرجه مسلمٌ، وحديث زيدٍ مِنْ أفراده ويأتيان في التَّفسير [خ¦4593]، وفيه لطيفةٌ: وهو صحابيٌّ _وهو سهل بن سعدٍ_ يروي عن مروان وهو تابعيٌّ، وقيل: إنَّ جبريل صَعِدَ وهَبَطَ في مقدار ألف سنةٍ، قبل أن يجفَّ القلم، أي: بسبب أولي الضَّرر، حكاه ابن التِّيْنِ، ثُمَّ قال: وهذا يحتاج أن يكون جبريل يتناول ذلك مِنَ السَّماء الدُّنيا، والأمر كذلك لأنَّ القرآن نزل جملةً إليها ليلةَ القدر، ثُمَّ نزل بعدها متفرِّقًا، وَهو دالٌّ عَلى أنَّ مَنْ حبسه العذرُ وغيرُه عن الجهاد وغيرِه مِنْ أعمال البرِّ مع نيَّته فيه فله أجر المجاهد والعامل لأنَّ نصَّ الآية على المفاضلة بين المجاهد والقَاعد، ثُمَّ استثنى مِنَ المفضولين أولي الضَّرر، وإذا استثناهم منهم فقد ألحقهم بالفاضلين، وقد بيَّن الشَّارع هذا المعنى، فقال: ((إنَّ بالمدِيْنَةِ أقْوَامًا مَا سَلَكْنَا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا حَبَسَهُمُ العُذْرُ)) وكذا جاء عنه في كلِّ مَنْ كان يعمل شيئًا مِنَ الطَّاعات ثُمَّ حبسه مرضٌ أو سفرٌ أو غيره أنَّه يُكتب له ما كان يعمل وهو صحيحٌ مقيمٌ، وكذا مَنْ نام عن حزبه نومًا غالبًا كُتِب له أجر حِزبه وكان نومه صدقةً عليه، وهذا معنى قوله _تعالى_: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التِّيْنِ:6] أي غير مقطوعٍ بِزَمَانةٍ أو كِبَرٍ أو ضَعْفٍ، ففي هذا أنَّ الإنسان يبلغ بِنيَّته أجر العامل إذا كان لا يستطيع العمل الَّذي ينويه، وسيأتي أيضًا في باب: يُكْتَب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة [خ¦2996]، وفيه اتَّخاذُ الكاتب وتقييدُ العلم، وفيه قرب الكاتب مِنْ مستمليه حتَّى تمسَّ / ركبتُه ركبتَه لقوله: (وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي).