التوضيح لشرح الجامع البخاري

كتاب الديات

          ♫
          ░░87▒▒ كِتَابُ الدِّيَاتِ
          الدِّيَةُ واحدةُ الدِّيَاتِ، والهاءُ عِوَضٌ عن الواو، تقولُ: وَدَيْتُ القتيلَ أَدِيهِ دِيَةً إذا أعطيتُ دِيَتَه، واتَّدَيْتُ أي أخذْتُ دِيَتَهُ، وإذا أمرتَ منه قلتَ: دِ فلانًا، وللاثنينِ دِيَا فلانًا، وللجماعةِ دُوا فلانًا، قاله أبو نَصْرٍ. وقال القزَّاز: هي مِن وَدَيْتُ مثل الزِّنَةِ مِن وَزَنْتُ. وقال في «المُغِرب»: هي مصدرُ وُدِيَ القتيل إذا أُعطِيَ وليُّهُ دِيَته، وأصْلُ التَّركيبِ على معنى الجَرْيِ والخروج، ومنه الوادي لأنَّ الماءَ يَدِي فيه أي يَجْرِي.
          ثمَّ قال:
          ░1▒ وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:93]. /
          وهذه الآيةُ سَلَفَتْ في التَّفسيرِ وذكرْنا خلافَ العلماءِ فيه واضحًا، وابنُ عَبَّاسٍ وزَيْدٌ وابنُ مَسْعُودٍ وابنُ عُمَرَ أنَّه لا توبةَ له، وقيل: إنَّ آيةَ الفرقانِ تكونُ في المُشْرِك.
          قال الضَّحَّاك: لَمَّا نزلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية [الفرقان:68] قال المشركون: قد زعم أنَّه لنا، فنزلَ: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:70] أي: تاب مِن الشِّرْكِ وأسلمَ. ونزلَ هذا بمكَّةَ ونزل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية [الزمر:53] ثمَّ أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} مُبهمةً لا مَخْرَجَ لها.
          ورَوَى سعيدُ بن مِيْنَاءَ عن ابنِ عُمَرَ، سأله رجلٌ فقال: قتلتُ رجلًا فهل مِن توبةٍ؟ قال: تزوَّدْ مِن الماءِ الباردِ فإنَّك لا تدخُلُها أبدًا. وذكره ابنُ أبي شَيْبَةَ أيضًا عن أبي هُرَيْرَةَ وأبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ والضَّحَّاكِ، ورُوي عن أبي الدَّرْداءِ أيضًا، ورُوِيَ عن عليٍّ وابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عُمَرَ أنَّ القاتلَ له توبةٌ، وقاله جماعةٌ مِن التَّابعين، وجماعةُ أهلِ السُّنَّةِ وفقهاءِ الأمصار على هذا وحجَّتُهم قولُه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى:25]. وقولُه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82] وهذا عمومٌ لا يَخرُجُ عنه شيءٌ.
          وذَكَرَ إسماعيلُ بن إسحاقَ القاضي: حدَّثنا المُقَدَّمِيُّ حدَّثنا المُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَان عن سُلَيْمَان بن عبيدٍ البارِقِيِّ حدَّثني إسماعيلُ بن ثَوْبَانَ: جالستُ النَّاسَ في المسجد الأكبر قبل الدَّارِ فسمعتُهم يقولون: لَمَّا نزلتْ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية، قال المهاجرون والأنصار: وَجَبَتْ لمن فعلَ هذا النَّارُ، حتَّى نزلت: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء:48].
          واحتجُّوا أيضًا بحديثِ عُبَادةَ بنِ الصَّامِت ☺ أنَّه ╕ أَخَذَ عليهم في بيْعَةِ العَقَبَةِ أنَّ مَن أصابَ ذنبًا فأمْرُهُ إلى اللهِ إنْ شاء عذَّبَهُ وإنْ شاءَ غفَرَ له.
          وقال الدَّاودِيُّ: هذه الآيةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} إنْ كانتْ في المسلمِ والكافِرِ فقد عفا اللهُ تعالى عن الخلودِ للمؤمنين فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا} [هود:106-107] فاستثنى مَن يدخلُها مِن المؤمنين. قال: ويحتمل أنْ يريد أنَّه قَتَلَهُ مُستحلًّا أو يريدُ إنْ جُوزيَ أو إنْ لم يَتُبْ، وقد سلف ذلك واضحًا فراجِعْهُ.
          ورَوَى ابنُ أبي عَاصِمٍ في «الدِّيَات» حديثَ أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا: ((خمسٌ ليس لهنَّ كفَّارةٌ: الشِّركُ بالله، وقَتْلُ النَّفس بغيرِ حقٍّ)) الحديث. وقال ابنُ المنذر: المرويُّ عن عليٍّ وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبَّاسٍ في أنَّ القاتلَ له توبةٌ، فرُوي مِن طريقٍ لا يُحتجُّ بها. قلتُ: أخرجَ روايةَ ابنِ عُمَر ☻ ابنُ أبي شَيْبَةَ عن أبي بَكْرِ بن عيَّاشٍ عن أبي إسحاقَ عنه، وروايةُ ابنِ عَبَّاسٍ أخرجها أيضًا عن يَزِيْدَ بن هَارُونَ حدَّثَنا أبو مالكٍ الأَشْجَعِيُّ عن سَعْدِ بنِ عُبَيدةَ عنه.