التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب في العيدين وتجمل فيه

          ░13▒ بَابٌ فِي العِيْدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيْهِ.
          هو في اللُّغةِ الوقتُ الَّذي يعودُ فيه الفرحُ والسُّرورُ، وأصْلُه مِن الرُّجوعِ والمعاوَدِةِ في كلِّ سنةٍ بفرَحٍ، قَلَبَ الواوَ منه ياءً لسُكونِها وانكسارِ ما قَبْلَها كالميزانِ والميقاتِ مِن الوَزْنِ والوَقْتِ، وجَمْعُهُ أعيادٌ، فلَمْ يُعِيدُوا الواوَ لزوالِ علِّة القَلْبِ للفَرْقِ بينَه وبينَ جَمْعِ عَوْدٍ، وقيل لِلُزومِ الياءِ في الواحِدِ ولهذا صُغِّر على عُيَيْدٍ بالياء، وقيل: سُمِّيَ عِيدًا لكثْرَةِ عوائِدِ الله على عبادِه فيهِمَا. وقيل: اشتقاقُهُ مِن العادةِ لأنَّهُم اعتادُوه.
          وأوَّلُ عيدٍ صلَّاهُ صلعم عيدُ الفِطْرِ مِن السَّنَةِ الثَّانيةِ مِن الهجرة، وفي «سنن أبي داود والنَّسائيِّ» مِن حديثِ أنسٍ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قالوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيْهَما في الجَاهِلِيَّةِ. فَقَال صلعم: إنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمَا بِهِمَا خَيرًا مِنهما: يَومُ الأضحى، ويَومُ الفِطرِ)) إسنادُه صحيحٌ.
          وصلاةُ العيدِ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وقيل فرضُ كفايةٍ. واختُلِفَ في النِّساءِ والعبيدِ والصِّبْيانِ والمسافرينَ وأهلِ القُرى الَّذين لا جُمعةَ عليهم، ففي «المدوَّنَةِ»: لا تجِبُ على النِّساءِ والعبيدِ ولا يُؤْمَرونَ بالخروجِ كالجُمعةِ. وقال مطرِّفٌ وابنُ الماجِشُون عندَ ابنِ حبيبٍ: هيَ سُنَّةٌ لجميعِ المسلمينِ النِّساءِ والعبيدِ والمسافرينَ ومَن عَقَلَ الصَّلاةَ مِن الصِّبيانِ. وقال في «العُتْبِيَّةِ»: إنَّما يُجمَعُ في العيدين مَن تلزمُهُم الجُمعةُ. وروى ابنُ القاسم عن مالكٍ أنَّها تلزَمُ قريةً فيها عشرون رَجُلًا، والنُّزُولُ إليها مِن ثلاثةِ أميالٍ كالجُمعةِ.
          948- ذَكَرَ في الباب حديثَ (عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) الحديث.
          سَلَفَ في الجُمعة [خ¦886] ولا شكَّ أنَّ التَّجَمُّلَ بالثِّيابِ غيرُ منكَرٍ شَرْعًا، وأنَّ التهيُّؤَ للقاءِ النَّاسِ بالتَّجَمُّلِ المباحِ لا يُنكَرُ، ولهذا لم يُنْكِر الشَّارعُ إلَّا كونَها حريرًا، وهذا على خلافِ بعضِ المتقشِّفِينَ.
          وقد رُوي عن الحَسَنِ البصريِّ أنَّه خَرَجَ يومًا وعليه حُلَّةٌ يمانٍ، وعلى فَرْقدَ جُبَّةُ صوفٍ، فجعل فَرْقَدُ ينظُرُ ويَمَسُّ حُلَّةَ الحَسَنِ ويُسبِّحُ، فقال له: يا فَرْقَدُ، ثيابِي ثيابُ أهلِ الجنَّةِ، وثيابُكَ ثيابُ أهلِ النَّارِ _يعني القسِّيسينَ والرُّهبانَ_ ثمَّ قال له: يا فَرْقدُ، التَّقْوى ليسَ في هذا الكِسَاءِ إنَّما التَّقوى ما وَقَر في الصَّدْرِ وصدَّقَهُ العمَلُ.
          وفيه استفهامُ الصَّحابةِ عندَ اختلافِ القَوْلِ والفِعْلِ لِيعْلَمُوا الوجْهَ الَّذي يُصْرَفُ إليه الأمرُ الثَّانِي. وفيه ائتلافُ أصحابِه بالعطاءِ. وقَبولُ العَطِيَّةِ إذا لم تَجْرِ عن مسألةٍ. وفضلُ الكفاف. وجوازُ بَيْعِ الحريرِ للرِّجَالِ والنِّساءِ وهبَتُهُ. وهذا أغلَظُ حديثٍ جاءَ في لُبْسِ الحرير، وقد جاء في التَّجَمُّلِ في العيد وغيرِه أحاديثُ سَلَفَ بعضُهَا في الجمعة.
          وقال الشَّافعيُّ: أخبرَنا إبراهيمُ أخبرَنا جعفرُ بن محمَّدٍ عن أبيه عن جَدِّه ((أنَّ رسولَ الله صلعم كان يلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ في كلِّ عيدٍ)) وحدَّثَنا إبراهيمُ، حدَّثنا جعفرُ بن محمَّدٍ قال: ((كان صلعم يَعْتَمُّ في كلِّ عِيدٍ)). ولابنِ خُزيمةَ مِن حديثِ الحَجَّاج عن أبي جعفرٍ عن جابرٍ ((أنَّ رسولَ الله صلعم كان يلبس بُرْدَهُ الأَحْمَرَ في العيدينِ والجمعةِ)) وقال: حَجَّاجٌ أظنُّه ابنَ عثمان.
          وللبَيْهَقِيِّ عن أبي رَزِينٍ عن عليِّ بن ربيعةَ قال: شهْدْتُ عليًّا يومَ عيدٍ مُعْتَمًّا قد أرخى عِمامتَه مِن خلْفِه، والنَّاسُ مِثْلُ ذلك. وعن نافعٍ أنَّ ابنَ عمرَ كان يلبَسُ في العيدينِ أحسَنَ ثيابِه. وصحَّ ((أنَّه صلعم خطَبَ النَّاسَ وعليه عِمامةٌ سوداء)) أخرجه مسلمٌ مِن روايةِ عمْرِو بن حُرَيْثٍ عن أبيه. وللبَيْهَقِيِّ عن السَّائِبِ بن يزيدٍ قال: رأيتُ عُمَرَ بن الخطَّابِ مُعْتَمًّا قد أَرْخَى عِمَامتَهُ مِن خَلْفِهِ.