التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الأجير

          ░120▒ باب: الأَجِيرِ
          وَقَالَ الحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يُقْسَمُ لِلْأَجِيرِ مِن المَغْنَمِ، وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الفَرَسِ أَرْبَعَ مِئَةِ دِينَارٍ فَأَخَذَ مِئَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِئَتَيْنِ.
          2973- ثُمَّ ذكر حديث صَفْوَان بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ ☺ قَالَ: (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ، فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ) الحديث وقد سلف [خ¦1848].
          والإسهام للأجير بعيدٌ مِنَ التَّرجمة، إذ ليس في الحديث أنَّه صلعم أسهم للأجير، وإنَّما حاول البُخَاريُّ إثبات ذلك بالدَّليل لأنَّ في الحديث جوازَ استئجار الحرِّ في الجهاد، وقد خاطب الله تعالى جماعة المؤمنين الأحرار بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال:41] فدخل الأجير في الخطاب، فوجب له سهم المجاهد القائم لِما تقدَّم مِنَ المخاطبة له.
          وأمَّا فعل عطيَّة بن قيسٍ فلا يجوز عند مالكٍ وأبي حَنيفةَ والشَّافعيِّ لأنَّها إجارةٌ مجهولةٌ، فإذا وقع مثلُ هذا كان لصاحب الدَّابَّة كراء مثلها، وما أصاب الرَّاكبُ في المغنم فله، وأجاز الأوزاعيُّ وأحمد أن يعطيَ فرسه على النِّصف في الجهاد.
          واختلف العلماء في الأجير، فقال مالكٌ وأبو حَنيفةَ وأحمدُ: لا يُسهَم له إلَّا أن يقاتل، وهو أظهر أقوال الشَّافعيِّ، ونقل عنه ابن بَطَّالٍ الاستحقاقَ مطلقًا وهو أحد أقواله، وقال الأوزاعيُّ واللَّيث: الأجير لا يُسهم له، وهو قول إسحاقَ.
          حجَّة الجمهور قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] فجعلها للغانمين، ومَنْ لم يقاتل عليها فليس بغانمٍ فلا يستحقُّ شيئًا، ورُوي عن سلَمةَ بن الأكوَع قال: كنت تابعًا لطلحة بن عُبيد الله وأنا غلامٌ شابٌّ، فأعطاه رسول الله صلعم سهم الفارس والرَّاجل جميعًا.
          واحتجَّ مَنْ أسهم له مطلقًا بقوله صلعم: ((الغنيمة لِمَنْ حضر الوَقْعَة)) وهو قول أبي بكرٍ وعمرَ، وهو إجماع.
          وقوله: (يقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ) أي: يمضغها كما يمضغ الفحل ما يأكله، يُقال: قضِمَت الدَّابَّة _بالكسر_ شعيرَها تقضَمُه إذا أكلته، وقال الدَّاوُديُّ: يقضَمُها: يقطعها، قال: والفحل هنا: الجمل، وقد أسلفنا أنَّ مذهب مالكٍ في هذا الضَّمانُ، خلافًا لابن وَهبٍ مِنْ أصحابه، ولعلَّ مالكًا لم يبلغه الحديث.
          وقوله: (فَأَهْدَرَهَا) يُقال: هدر السُّلطان دم فلانٍ: أي أباحه، وأهدر أيضًا.