التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة

          ░43▒ (بَابٌ: الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)
          2849- ذكر فيه حديثَ ابن عمرَ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ الله _صلعم_: الخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ).
          2850- وحديثَ حُصَيْنٍ، وَابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الجَعْدِ، عَنِ رسولِ الله _صلعم_ مثله، (قَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ شُعْبة، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، وَتَابَعَهُ مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الجَعْدِ).
          2851- (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبة، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله _صلعم_: البَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الخَيْلِ) ثُمَّ ترجم له:
          ░44▒ (بَابٌ: الجِهَادُ مَاضٍ مَعَ البَرِّ وَالفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ _صلعم_: الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نوَاصِيْهَا الخَيْرُ...) فذكرَه.
          2852- ثمَّ ذكر حديث عُرْوةَ البارقيِّ قالَ النَّبِيُّ _صلعم_: (الخَيْلُ...) فذكره، وزاد في آخره: (الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ).
          الشَّرح: هذه الأحاديث الثَّلاثة أخرجها مسلمٌ أيضًا وانفرد بإخراجه مِنْ حديث جريرٍ، و(ابْنِ أَبِي السَّفَرِ) اسمُه عبد الله بن أبي السَّفر سعيدِ بن يَحْمُد _ويُقال ابن أحمد_ الهَمْدانيُّ البكليُّ الثَّوريُّ الكوفيُّ، توفِّي في خلافة مروان بن محمَّدٍ، وتوفِّي والده في ولاية خالد بن عبد الله القَسْريِّ على العراق، وكانت مِنْ سنة خمسٍ ومئةٍ إلى سنة عشرين ومئةٍ، وحُصَيْنُ بن عَبْدِ الرَّحمن كوفيٌّ أيضًا، ابن عمِّ منصور بن المعتمر، و(هُشَيْمٍ) هو ابن بشيرٍ، و(أَبُو التَّيَّاحِ) هو يزيد بن حُميدٍ.
          والتَّعليق عن سليمانَ وحُصينٍ أخرجه أبو نُعَيمٍ عن فاروق، حدَّثنا إبراهيم بن عبد الله، حدَّثنا سليمان بن حربٍ حدَّثنا شُعْبة عن عبد الله بن أبي السَّفَر وحُصين عن الشَّعْبيِّ عن عُروة، وحدَّثنا أبو إسحاق بن حمزة، حدَّثنا حامدٌ، حدَّثنا شُرَيحٌ عن هُشَيْمٍ، وقال أحمد: حدَّثنا هُشَيْمٌ فذكره وقال: عروة البارقيُّ، وخرَّج البُخاريُّ في الخمس [خ¦3119]: حدَّثنا مسدَّدٌ عن خالدٍ عن حُصينٍ فقال: عروة البارقيُّ. ورواه ابن أبي عاصمٍ عن غُنْدَرٍ عَن شُعْبة عن ابن أبي السَّفر عن الشَّعْبيِّ قال: عن عروة البارقيِّ، قال الحُميديُّ: زاد البَرقانيُّ في حديث الشَّعْبيِّ مِنْ رواية عبد الله بن إدريس عن حُصينٍ يرفعه: ((الإِبِلُ عِزٌّ لأهْلِهَا، والغنمُ بركةٌ)) ورواه الإسماعيليُّ مِنْ حديث ابن مهديٍّ عن شُعْبة عن أبي إسحاقَ عن العَيْزَار بن حُرَيْثٍ، عن عروة بن أبي الجَعْد، قال شُعْبة: وحدَّثني حُصَينٌ وعبد الله، سَمِعَا الشَّعْبيَّ يُحدِّث عن عُروة بن أبي الجَعْد.
          قال الإسماعيليُّ: قال ابن أبي عديٍّ وسليمان: عن شُعْبةَ بن أبي الجَعْد، وقال أبو داودَ ورَوْحٌ وأبو الوليد عنه: ابن الجَعْد، وكذلك قال غُنْدَرٌ، وفي الباب عن عُتْبَةَ بنِ عَبْدٍ السُّلَميِّ أخرجه أبو داودَ، وسلمةَ بن نُفَيلٍ أخرجه البزَّار وزيادة: ((وأَهْلُها مُعَانُون)) والمغيرةِ وجابرٍ وسَوَادةَ بن الرَّبِيْع وجدِّ يزيد بن عبد الله بن غريبٍ المُلَيكيِّ عن أبيه عن جدِّه، ذكرهم ابن أبي عاصمٍ، وأبي هريرة ذكره أبو بكر بن المقرئ، وأسماء بنت يزيدَ ذكره أحمد، وعليٍّ ذكره ابن مَنْدَهْ، وابن مسعود والبراء ذكرهما أبو القاسم البَغَويُّ، وحُذيفةَ وسهلِ بن الحَنْظَلِيَّة ذكرهما ابن عساكرَ، وأبي أمامة ذكره أبو طاهرٍ الذُّهْليُّ، وأبي ذرٍّ ذكره عبد الله بن وهبٍ.
          إذا تقرَّر ذلك ففيه التَّرغيب في الغزو على الخيل أي: الْمُعَدَّة للجهاد بخلاف الْمُعَدَّة للخُيَلاء، وأنَّ الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وفي الحديثِ: ((الجهادُ ماضٍ مُنْذُ بعثَ الله نَبِيَّهُ إلى آخرِ عصابةٍ تبقى مِنْ أمَّتي تقاتلُ الدَّجَّال)) وترجم / البُخاريُّ به على استمراره تحت راية كلِّ بَرٍّ وفاجرٍ، وفي رواية أبي الحسن: <عَلَى البَرِّ وَالفَاجِرِ> وفي رواية أبي ذرٍّ وغيره، وتبويب الإسماعيليِّ <مع> بدل (على) فعلى الأولى أنَّه يجب على كلِّ أحدٍ، وعلى الثَّاني يجب مع الإمام العدل ومع غير العدل، وأنَّه واجبٌ لا يجوز تركُه.
          (والأجْرُ وَالمَغْنَمُ) هو معنى ما بوَّب له البُخاريُّ لأنَّ الغنيمة إنَّما تنشأ غالبًا عن الجهاد، واستدلاله أيضًا أنَّ الجهاد ماضٍ معهما صحيحٌ مِنْ أجل أنَّه أبقى الخير في نواصيها إلى يوم القيامة، وقد عُلم أنَّ مِنْ أمَّته أئمَّةَ جَوْرٍ لا يعدلون ويستأثرون بالمغانم، فأوجب الغزو معهم، ويُقوِّي هذا المعنى أمرُه بالصَّلاة وراء كلِّ برٍّ وفاجرٍ مِنَ السَّلاطين، وأَمْرُه بالسَّمع والطَّاعة ولو كان عبدًا حبشيًّا.
          وفيه الحثُّ على ارتباط الخيل في سبيله _تعالى_ يريد أنَّ مَنِ ارتبطها كان له ثوابُ ذلك فهو خيرٌ آجلٌ، وما يصيبه على ظهورها مِنَ المغانم وفي بطونها مِنَ النَّتاج خيرٌ عاجلٌ، والنَّاصِيَة: قصاص الشَّعر، وهو المراد بقول الخطَّابيِّ: إنَّها الشَّعر المسترسل على الجبهة، وخصَّ النَّواصيَ بالذِّكر لأنَّ العرب تقول غالبًا: فلانٌ مبارك النَّاصية، فَيُكَنَّى به عن الإنسان، والمراد بالخير هنا المالُ، قال _تعالى_: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة:108] وقال _تعالى_ في قوله: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} [ص:32] وقد سلف تفسير الخير في الحديث بالأجر والمغنم، وفي «مسند أبي داود الطَّيالسيِّ» أيضًا بإسنادٍ عَلى شرط البُخاريِّ: قيل: يا رسول الله مَا الخير؟ قال: ((الأجْرُ وَالمَغْنَمُ)) وهو أيضًا تفسير قوله _◙_: ((مَعَ مَا نالَ مِنْ أجرٍ أَوْ غَنِيْمَةٍ)) أنَّ ((أو)) بمعنى الواو فكأنَّه قال: مع ما نال مِنْ أجر وغنيمةٍ أو أجرٍ.