التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من ضرب دابة غيره في الغزو

          ░49▒ (بابُ: مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الغَزْوِ)
          2861- ذكر فيه حديثَ جابرٍ السَّالفَ في الصَّلاة [خ¦443] وغيره، و(أَبُو عَقِيلٍ) بفتح العين، واسمه بشير بن عقبة الدَّوْرَقيُّ النَّاجيُّ، و(أَبُو المُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ) اسمه عليُّ بن دؤاد، وقيل: ابن داود.
          وقوله: (وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ) الأرمك مِنَ الإبل: ما في لونه غُبرةٌ يخالطها سوادٌ، وذلك اللَّون هو الرَّمَك والرَّمَكَة، والجمل أَرْمَك، وعبارة الأصمعيِّ فيما حكاه أبو عُبَيْدٍ: إذا خالط حمرتَه سوادٌ فتلك الرَّمَكَة، وبعيرٌ أَرْمَكُ وناقةٌ رَمْكَاءُ، وقال صاحب «العين»: الرَّمَكَة: لونٌ في وُرقةٍ وسوادٍ، والوُرقة: شبه بالغُبرة، وعن ابن دُرَيدٍ: الرَّمَك: كلُّ شيءٍ خالطت غبرتُه سوادًا كدر، وفي «الكفاية»: وقال حُنَيفُ الحَنَاتِمِ: الحمرة صُبْرَى، والرَّمَكَة بُهْيَا، والخَوَّارة غُزْرَى، والصَّهْباء سُرْعَى، وقيل: الرَّمَكَة: الرَّماد، وقال صاحب «المطالع»: يُقال: أَرْبَك بالباء الموحَّدة أيضًا، والميم أشهر.
          وقوله: (لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ) أي لمعةٌ مِنْ غير لونه، قال صاحب «العين»: الشِّية: لمعةٌ مِنْ سوادٍ أو بياضٍ، وعبارة غيره: بياضٌ فيما يخالفه مِنَ الألوان، وكذلك السَّواد في البياض، وعن قَتَادة في قوله _تعالى_: {لَا شِيَةَ فِيْهَا} [البقرة:71] لا عيبَ، وأصلها مِنَ الوشي، وهي محذوفة الفاء كما حُذفت في دِيَةٍ وعِدَةٍ، وجمعها شياتٌ.
          وقوله: (إِذْ قَامَ عَلَيَّ) أي الجمل، معناه: وقف مِنَ الإعياء والكلال، قال _تعالى_: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة:20] أي وقفوا، وفيه تفسيرٌ آخر، قال أبو زيدٍ: يُقال: قام بي ظهري أي: أوجعني، وكلُّ ما أوجعك مِنْ جسدك فقد قام بك، والمعنى متقاربٌ، وفيه المعونة في الجهاد كسوق الدَّابَّة وقودها، وقد رأى _◙_ رجلًا يحطُّ رحلَ رجلٍ ضعيفٍ فقال: ((ذَهَبَ هَذَا بالأجْرِ)) يعني الْمُعين، وكذلك الْمُعين في سوقها يُؤجر عليه.
          وفيه جواز إيلام الحيوان لما يصلحه والحمل عليها بعض ما يشقُّ بها لأنَّه جاء أنَّه أعيا فإذا ضرب المعنى فقد كُلِّف ما يشقُّ عليه، وإذا صحَّ هذا فكذا يجوز أن يُكلَّف العبد والأمَة بعض ما يشقُّ عليهما إذا كان في طاقتهما ووسعهما، ويؤدَّبا على تقصيرهما فيما يلزمهما مِنَ الخدمة، وفيه أنَّ السُّلطان قد يتناول الضَّرب بيده لأنَّه إذا ضرب الدَّابَّة فأحرى أن يضرب الإنسانَ الَّذي يعمل تأديبًا له، وفيه بركة الشَّارع لأنَّه ضربه فأحدَث الله له بضربه قوَّةً، وأذهب عنه الإعياء، قال ابن المُنْذِرِ: واختلفوا في المكتري يضرب الدَّابَّة فتموت، فقال مالكٌ: إذا ضربها ضربًا لا تُضرب مثلَه، أو حيث لا تَقدِر ضَمِنَ، وبه قال أحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ، قالوا: إذا ضربها ضربًا يضرب صاحبُها مثلَه ولم يتعدَّ فليس عليه شيءٌ، واستحسن هذا القولَ أبو يوسف ومحمَّدٌ، وقال الثَّوريُّ وأبو حَنِيفةَ: هو ضامنٌ إلَّا أن يكون أَمَرَهُ أن يَضرب، والقول الأوَّل أولى كما قال ابن بَطَّالٍ، وعليه يدلُّ الحديث لأنَّه _◙_ لم يضرب الجملَ، إلَّا بما يشبه أن يكون أدبًا له مثله ولمْ يتعد عليه، فكان ذلك مباحًا، فلو مات الجمل مِنْ ذلك لم يَضْمَنْه، لأنَّه لم يكن متعدِّيًا، والضَّمان في الشَّريعة إنَّما يلزم بالتَّعدِّي.