التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الخيل لثلاثة

          ░48▒ (بَابٌ: الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ، لقولِهِ _تعالى_: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:8]).
          2860- ثُمَّ ذكر حديث أبي هريرة قال النَّبيُّ _صلعم_: (الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ...) إلى آخره، سلف في أبواب الشَّرب [خ¦2371]، واسْتُدِلَّ به على عدم أكل الخيل، لكنَّه ثابتٌ بالسُّنَّة.
          {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] قيل: إنَّه عامٌّ، وقيل: هو السُّوس في الثِّياب، و(الطِّيَلُ) الحبل الَّذي تُربط به الدَّابَّة، ويُقال بالواو بدل الياء أيضًا، والمعنى أنَّ فرس المجاهد لَيمضي على وجهه في الحبل الَّذي أُطيل له فيُكتب له بذلك حسناتٌ.
          ومعنى (اسْتَنَّتْ) أفلتت فمرحت تجري، والاستنان: أن تأخذ في سَننٍ على وجهٍ واحدٍ ماضيًا، وهو يفتعل مِنَ السَّنن، وهو القصد، ويُقال: فلان يستنُّ الرِّيح إذا كان على جهتها وممرِّها، وأهل الحجاز يقولون: يستنُّها، ويُقال في مثل هذا: استنَّت الفِصال حتَّى القرعى تُضرب مثلًا للرَّجل الضَّعيف يرى الأقوياء يفعلون شيئًا فيفعل مثله، و(الشَّرَفُ) ما ارتفع مِنَ الأرض.
          وقوله: (وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ...) إلى آخره، قيل: إنَّما ذلك لأنَّه وقتٌ لا يُنتفع بشربها فيه فيغتمُّ لذلك فيُؤجَر، ويحتمل أن يريد أنَّه كَره شربها مِنْ ماء غيره بغير إذنٍ.
          وقوله: (وَنِوَاءً) هو بكسر النُّون والمدِّ، وقال الدَّاوُديُّ: هو بفتح النُّون والقصر، وقال بعض أهل اللُّغة: هو بكسر النُّون وبالمدِّ، وهذا الَّذي حكاه عن بعضهم هو قول جماعةٍ منهم، قال: النِّواء: المعاداة، يُقال: ناوأت الرَّجل نِواءً ومُناوَأة إذا عاديتَه، وأصله مِنْ ناءَ إليك ونُؤْتَ إليه، أي: نهضت إليه ونهض لك، وقال ابن بَطَّالٍ: هو مصدر ناوأت وهي المساواة ثُمَّ ذكر المعاداة / عن كتاب «العين»، و (الوِزْرُ) الثِّقل المثقِل للظَّهر.
          وقوله: (الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ) يعني: جمعت أعمال البرِّ كلِّها دقيقها وجليلها، وكذلك جمعت أعمال المعاصي، وفاذَّةٌ: منفردةٌ في معناها، ويُقال: فاذَّةٌ وفذَّةٌ وفاذٌّ وفذٌّ، ومنه: ((تَفْضُلُ علَى صَلَاةِ الفَذِّ))، ومعنى ذلك أنَّها منفردةٌ في عموم الخير والشَّرِّ لا آية أعمُّ منها، والمعنى أنَّه مَنْ أحسن إلى الحُمر رأى إحسانه في الآخرة، ومَنْ أساء إليها وكلَّفها فوق طاقتها رأى إساءته في الآخرة.
          وقوله: (لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ في الحُمُرِ إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ... {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة:7]) فيه تعليمٌ منه لأمَّته الاستنباطَ والقياس، وكيف تُفهم معاني التَّنزيل لأنَّه شبَّه ما لم يَذكر اللهُ _وهي الحُمر_ بما ذكره مِنْ عملِ مثقال ذرَّةٍ مِنْ خيرٍ، إذ كان معناهما واحدًا، وهذا نفس القياس الَّذي ينكره مَنْ لا تحصيل له ولا فهم عنده لأنَّ هذه الآية يدخل فيها مع الحُمر جميعُ أفعال البرِّ، ألَا ترى إلى فهم عائشة وغيرها مِنَ الصَّحابة هذا المعنى مِنْ هذه الآية حين تصدَّقوا بحبَّة عنبٍ وقالوا: كم فيها مِنْ مثاقيل الذَّرِّ.
          وفيه مِنَ الفقه أنَّ الأعمال لا يُؤجر المرء في اكتسابها لاعبًا بها، وإنَّما يؤجر بالنِّيَّة الخالصة في استعمال ما ورد الشَّرع بالفضل في عمله لأنَّها خيلٌ كلُّها، وقد اختلف أحوال مكتسبها لاختلاف النِّيَّات فيها، وفيه أنَّ الحسنات تُكتب للمرء إذا كان له فيها سببٌ وأصلٌ تفضيلًا مِنَ الله على عباده المؤمنين لأنَّه ذكر حركات الخيل ونقلها ورعيها وروثها، وأنَّ ذلك حسناتٌ للمجاهد.