التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الجهاد بإذن الأبوين

          ░138▒ باب: الجهاد بإذن الأبوين.
          3004- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعبة حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو ☻ يَقُولُ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ).
          هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا، ولابن حِبَّان: ((وكان قد أسلم)) وفيه: ((وأَبَيَا أن يخرجا معه)).
          ووجه مطابقةِ الحديث للباب مفهومةٌ، وقد جاء: إنِّي تركت أبويَّ يبكيان، قال: ((ارجعْ إليهما فأضحِكْهما كما أبكَيْتَهما)).
          وفي الباب: عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، وفيه: ((فإن استأذنا لك فجاهد وإلَّا فبرَّهما)) وعبد الرَّحمن بن جاهِمَة عن أبيه: ((جاء رجلٌ إلى رَسول الله صلعم فقال: يا رَسول الله، أردتُ الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: هل لك مِنْ أمٍّ؟ قال: نعم، قال: الزمْها فإن الجنَّة تحت رجلها))، ورِشْدِينُ بن كُرَيبٍ عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ: ((جاءت امرأةٌ بابنٍ لها إلى رسول الله صلعم فقالت: يا رسول الله هذا ابني يريد الجهاد وأنا أمنعه، فقال صلعم: الزمْ أمَّك حتَّى تأذن لك أو يأتيَها الموت)).
          إذا تقرَّر ذلك فقال المهلَّب: هذا _والله أعلم_ في زمن استظهار المسلمين على عدوِّهم، وقيام مَنِ انتدب إلى الغزو بهم مع أنَّه _والله أعلم_ رأى به ضعفًا ولم يقدِّر نفاذه في الجهاد، فندبَه إلى الجهاد في برِّ والديه.
          قلت: رواية ابن أبي عاصمٍ أنَّ السَّائل كان أخلق النَّاس وأشدَّه، وفي آخره: ((فجعلنا نعجب مِنْ خَلقه يردُّ هذا))، وقد رُوي عن عمرَ وعثمانَ أنَّ مَنْ أراد الغزو فأمرته أمُّه بالجلوس أن يجلس، وقال الحسن البصريُّ: إن أذنت له أمُّه في الجهاد وعلم أنَّ هواها في أن يجلس فليجلس.
          وممَّن أراد ألَّا يخرج إلى الغزو إلَّا بإذن والديه: مالكٌ والأوزاعيُّ والثَّوْريُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وأكثرُ أهل العلم، هذا كلُّه في حال الاختيار ما لم تقع ضرورةٌ وقوَّة العدوِّ، فإذا كان ذلك تعيَّن الفرضُ على الجميع وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكلِّ، ولا حاجة إلى الإذن مِنْ والدٍ وسيِّدٍ.
          وقال ابن حَزْمٍ في «مراتب الإجماع»: إن كان أبواه يضيعان بخروجه ففرضه ساقطٌ عنه إجماعًا، وإلَّا فالجمهور يوقفه على الاستئذان، رُوي ذلك عن مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد وغيرهم، والأجداد كالآباء، والجدَّات كالأمَّهات، وممَّن صرَّح به ابن المُنْذرِ، وعند المُنْذرِيِّ: هذا في التَّطوُّع، أمَّا إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما، وإنْ منعاه عصاهما، هذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه ولو نَفلًا، وطاعتهما حيئنذٍ معصيةٌ، وعن الثَّوْريِّ: هما كالمسلمين، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا كلُّه بعد الفتح وسقوط فرض الهجرة والجهاد وظهور الدِّين، أو كان ذلك مِنَ الأعراب وغير مَنْ كانت تجب عليه الهجرة، فرُجِّح برُّ الوالدين على الجهاد.
          فرعٌ: يندرج في هذا المِدْيانُ، قال الشَّافعيُّ فيما ذكره ابن المُناصِف: ليس له أن يغزو إلَّا بإذنه سواءٌ كان مسلمًا أو غيره. وفرَّق مالكٌ بين أن يجد قضاءً وبين ألَّا يجد، فإن كان عديمًا فلا يرى بجهاده بأسًا وإن لم يستأذن غريمه، فإن كان مليئًا وأوصى بدينه إذا حلَّ أُعطي دينه فلا يستأذنه، وقال الأوزاعيُّ: لا يتوقَّف على الإذن مطلقًا.