التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قتل الأسير وقتل الصبر

          ░169▒ بابُ: قَتلِ الأَسِيرِ وقَتلِ الصَّبْرِ.
          3044- ذكر فيه حديث أنس بن مالكٍ ☺ أَنَّ رَسُولَ الله صلعم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ).
          هذا الحديث سلف في الحجِّ [خ¦1846]، وقد تقدَّم القول في قتل الأسرى [خ¦3018]، وأنَّ الإمام مخيَّرٌ بين القتل والمنِّ، وكذلك فعل الشَّارع يوم الفتح: قتلَ ابنَ خَطَلٍ ومِقْيَسِ بن صُبَابَة والقَينتين ومَنَّ على الباقين.
          وفيه أنَّ للإمام أن يقتل صبرًا مَنْ حادَّ الله ورسوله وَكان في قتله صلاحٌ للمسلمين، كما قَتل صلعم يوم بدرٍ عُقبة بن أبي مُعَيطٍ، قام إليه عليٌّ فقتله / صبرًا، فقال: مَنْ للصِّبية يا محمَّد؟ قال: ((النَّار)). وقتل النَّضْرَ بن الحارث، وكذلك فعل سعدٌ في بني قُرَيظة.
          وهذا الحديث حجَّةٌ لقول الجمهور: إنَّ مكة فُتحت عَنوةً، وقد سلف ذلك في الحجِّ [خ¦1846]، ومِنَ الآثار الدَّالَّة ما ذكره أبو عُبيدٍ بإسناده مِنْ حديث أبي هريرة، أنَّه حدَّث بفتح مكَّة: ((ثُمَّ أقبل رسول الله صلعم حين قدِم مكَّة فبعث الزُّبَير على إحدى المُجْنِبَتين، وبعث خالدَ بن الوليد على الأخرى، وبعث أبا عُبيدة على الحُسَّر فأخذوا بطن الوادي، فأمرني رسول الله فناديت بالأنصار، فلما أطافت به قال: ((أترَون أوباشَ قريشٍ وأتباعَهم؟)) ثُمَّ قال بيديه إحداهما على الأخرى: ((احصدوهم حصدًا حتَّى توافوني بالصَّفا)) قال أبو هريرة: فانطلقنا فما شاء أحدٌ منَّا أن يقتل منهم مَنْ شاء إلَّا قتله، فجاء أبو سفيان بن حربٍ فقال: يا رسول الله، أُبيحت خضراء قريشٍ فلا قريشَ بعد اليوم، فقال صلعم: ((مَنْ أغلقَ بابَه فهو آمِنٌ)).
          ثمَّ ساق مِنْ حديث عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: قال رسول الله صلعم يوم الفتح: ((ألا لا يُجهَزنَّ على جريحٍ، ولا يُتَّبعنَّ مُدبرٌ، ولا يُقتلنَّ أسيرٌ، ومَنْ أَغلق بابه فهو آمِن)) وهذا ظاهرٌ في دخولها عَنوةً، ومَنْ خالف ذلك واعتلَّ بأنَّه صلعم لم يحكم فيها بحكم العَنوة مِنَ المغنم لها واسترقاق أهلها فلم تكن عَنوةً، فقد يُدَّعى تخصيصها بذلك كما خُصَّت بغير ذلك.