التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السير وحده

          ░135▒ باب: السَّير وحده.
          2997- ذكر فيه حديث جابرٍ ☺: ((نَدَبَ النَّبِيُّ صلعم النَّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَير ثلاثًا، قال النَّبيُّ صلعم: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيرُ)).
          قَالَ سُفْيَانُ الحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ، وقد تقدَّم.
          2998- وحديث ابن عمرَ رفعه: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاس مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) وهو مِنْ أفراده.
          قال الحاكم: وهو على شرط مسلمٍ، قال التِّرمِذيُّ: ولا نعرفه إلَّا مِنْ هذا الوجه مِنْ حديث عاصم بن محمَّدٍ أي: عن أبيه عن ابن عمر ☻. قلت: أخرجه النَّسَائيُّ عن المغيرة بن عبد الرَّحمن عن محمَّد بن رَبيعة عن عمر بن محمَّد بن زيدٍ عن أبيه عن ابن عمرَ.
          واعلم أنَّ البُخَاريَّ رواه عن أبي الوليد وعن أبي نُعَيْمٍ وفي كلِّ منهما قال فيه: حدَّثنا، وزعم أنَّه لم يروِه عن أبي نُعَيْمٍ وإنَّما قال: وقال أبو نُعَيْمٍ، ثُمَّ قال: لم يقل _يعني البُخَاريَّ_ في حديث أبي نُعَيْمٍ: حدَّثنا، وإنَّما قال: قال أبو نُعَيْمٍ عن عاصمٍ، وتبعه المِزِّيُّ، والَّذي وجدناه في أصل الدِّمْياطيِّ وغيره التَّصريحُ بـحدَّثنا فيه، وكذا ذكره عنه أبو نُعَيْمٍ في «مستخرَجه» فتنبَّهْ له.
          إذا تقرَّر ذلك، فـ(الوَحْدَة) بفتح الواو كذا نحفظه، وقال ابن التِّينِ: ضُبطت بفتح الواو وكسرها، وأنكر بعض أهل اللُّغة الكسر، قال صاحب «المطالع»: ووحدَك منصوبٌ بكلِّ حالٍ / عند أكثر أهل الكوفة على الظَّرف، وعند البصريِّين على المصدر، أي: يَوْحَدُ وَحدَه، قال: وكسرتْه العرب في ثلاثةِ مواضعَ: عُيَيرُ وحدِه وجُحَيشُ وحِده ونسيجُ وحدِه، وعن أبي عليٍّ: رجلٌ وَحدٌ بفتح الحاء وكسرها وإسكانها، ووحيدٌ ومتوحِّدٌ، والأنثى وَحدةٌ، ووَحِد ووَحُدَ _بكسر الحاء وضمِّها_ وِحَادَةً ووَحْدَةً ووَحْدًا وتَوَحَّدَ كلُّه بقي وحدَه، وعن كُرَاع: الوَحْدُ الَّذي يُترك وحدَه.
          قال المهلَّب: نهيُه صلعم عن الوَحدة في سير اللَّيل إنَّما هو إشفاقٌ على الواحد مِنَ الشَّياطين، لأنَّه وقت انتشارهم وأذاهم للبشر بالتَّمثيل لهم وما يفزعهم، ويدخل في قلوبهم الوساوس، ولذلك أمر النَّاسَ أن يحبسوا صبيانهم عند فحمة اللَّيل.
          وأمَّا قصَّة الزُّبَير فإنَّها لِتعرُّف أمر العدوِّ، والواحدُ الثَّابت في ذلك أخفى على العدوِّ وأقرب إلى التَّجسُّس بالاختفاء والقرب منهم، مع ما علم الله مِنْ نيَّته والتَّأييد عليها، فبعثه واثقًا بالله، ومع أنَّ الوحدة ليست بمحرَّمةٍ وإنَّما هي مكروهةٌ، فمَنْ أخذ بالأفضل مِنَ الصُّحبة فهو أَولى، ومَن أخذ بالوحدة فلم يأتِ حرامًا.
          وقد سلف الكلام في حديث جابرٍ وما عارضه في باب: هل يبعث الطَّليعة وحدَه وباب: سفر الاثنين [خ¦2847]، فراجعه مِنْ ثَمَّ.
          وقال ابن التِّينِ _لمَّا ضبط الوحدةَ_ قال: قيل: معناه في اللَّيل، وقد أتى الشَّارعَ جابرٌ ليلًا وقال: ((ما السُّرَى يا جابرُ)) قال: ويحتمل أنَّ سكوت الشَّارع عمَّا يعمله في سير اللَّيل خيفة أن يُتناهى عند الضَّرورات أن يسير راكبٌ وحدَه.
          فائدةٌ: أسلفنا الكلام هناك على لفظ: (حَوَارِيَّ) فليراجع [خ¦2847]، قال الزَّجَّاج: وهو مصروفٌ لأنَّه منسوبٌ إلى حَوارٍ، وأمَّا ما كان نحو كَراسيَّ وبخاتيَّ فغير مصروفٍ، لأنَّ الواحد بختيٌّ وكُرسيٌّ، قال سِيبويه: فأمَّا عواريُّ وحواليُّ فغير مصروفاتٍ، لأنَّ هذه الياء كانت في الواحد نحو عاديَّةٍ وعاريَّةٍ وحَوَليٍّ.