التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الجنة تحت بارقة السيوف

          ░22▒ (بَابٌ: الجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ
          وَقَالَ المُغِيرَةُ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ، وَقَالَ عُمَرُ ☺ لِلنَّبِيِّ _صلعم_: أَلَيْسَ قَتْلانَا فِي الجَنَّةِ، وَقَتْلاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى).
          2818- ثُمَّ ساق حديثَ عبد الله بنِ أبي أَوفَى: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) قالَ أبُو عَبْدِ الله: (تَابَعَهُ الأُوَيْسِيُّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ).
          الشَّرح: التَّعليق الأوَّل أسنده في الجزية [خ¦3159] عن الفضل بن يعقوب عن عبد الله بن جعفرٍ الرَّقِّيِّ، عن المعتمر بن سليمان، عن سعيد بن عبيد الله الثَّقفيِّ، عن بكر بن عبد الله المُزَنِيِّ وزياد بن جُبَيْرٍ كلاهما عن جُبَير بن حيَّة الثَّقفيِّ عنه مطوَّلًا يذكر إسلام الْهُرْمُزَانُ ومشاورةَ عمرَ له في أمر القتال، والمعتمِر هو ابن سليمان بن طَرْخَان التَّيميُّ كما قاله أصحاب الأطرافِ والمستخرَجاتِ والمترجِمون، وأمَّا الحافظ الدِّمْياطيُّ فقال: إنَّه وهمٌ، والصَّواب: المعمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ لأنَّ عبد الله بن جعفرٍ الرَّقِّيَّ / لا يروي عن التَّيميِّ، ولم نرَه لغيره بل ولا ذكر المعمَّر في رجال البُخاريِّ ولمَّا ذكروا ابن جعفرٍ قالوا: روى عن المعتمِر التَّيميِّ.
          والتَّعليق الثَّاني عن عمر خرَّجه أيضًا عن أحمدَ بن إسحاقَ عن يَعلى بن عُبيدٍ حدَّثنا عبد العزيز بن سِيَاهٍ، عن حَبيب بن أبي ثابتٍ عن أبي وائلٍ عن سَهْل بن حُنيفٍ قال: قال عمر... فذكره [خ¦4844]، وحديث ابن أبي أوفى متَّفقٌ عليه.
          وقوله: (تَابَعَهُ...) إلى آخره يعني أنَّ الأُويسيَّ تابع معاويةَ بن عمرَ، والَّذي رواه عن أبي إسحاقَ عن موسى بن عُقبةَ، قال ابن المنيِّر: كأنَّ البُخاريَّ أراد بالتَّرجمة أنَّ السُّيوف لمَّا كانت لها بارقةُ شعاعٍ كان لها أيضًا ظلٌّ تحتها، وترجم ببارقةٍ يريد لمع السُّيوف، مِنْ قولهم: ناقةٌ بَرُوقٌ إذا لمعتْ بذنبها مِنْ غير لقاحٍ وهو مثل: ((الجَنَّة تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ)) وكذا قال ابن بَطَّالٍ: هو مِنَ البَريق وهو معروف، قَالَ الخَطَّابِيُّ: يُقال: أبرق الرَّجل بسيفه إذا لمع به، ويُسمَّى السَّيف إبريقًا، وهو أفعل مِنَ البَريق.
          إذا تقرَّر ذلك فالكلام عليه مِنْ وجهين:
          أحدهما: قال المهلَّب: فيه أنَّه قد يجوز أن يُقطَع لقتلى المسلمين كلِّهم بالجنَّة لقول عمر على الجملة مِنْ غير أن يُشخَص مِنْ هذه الجملة واحدٌ فيُقال: إنَّ هذا في الجنَّة إلَّا بخبرٍ فيه بعينه لقوله _◙_: ((واللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ في سَبِيْلِهِ)) فنحن نقطع بظاهر الحديث في الجملة ونَكِلُ التَّفصيل والغائب مِنَ النِّيَّات للهِ تعالى، لئلَّا يُقطع في علم الله بغير خبرٍ، ألا ترى أنَّه _◙_ حين سُئل فقيل له: مِنَّا مَنْ يُقَاتل للمغنم وليُرَى مكانُه وللدُّنيا وغيرِ ذلك، فلمَّا فُصِّل له تبرَّأ مِنَ القطع على الغيب فقال: ((مَنْ قاتلَ لِتَكُونَ كلمةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ في سبيلِ اللهِ)) وهذا القول يقضي على سائر معاني الحديث، والمسألة والتَّرجمة صحيحةٌ، وأنَّ مَنْ قَتل أو قُتِل في إعلاء كلمة الله فهو في الجنَّة.
          ثانيهما: قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) أي ثواب الله، والسَّبب الموصل إلى الجنَّة عند الضَّرب بالسُّيوف في سبيل الله ومشي المجاهدين في سبيله، فأحضروا فيه بصدقٍ وأُثيبوا، وهذا مِنْ كلامه البديع النَّفيس الَّذي جمع ضروب البلاغة مِنْ جزالة اللَّفظ وعذوبته، فإنَّه استُفيد منه مع وجازتِه الحضُّ على الجهاد، والإخبارُ بالثَّواب عليه، والحضُّ على مقارنة العدوِّ واستعمالِ السُّيوف والاعتمادِ عليها واجتماعِ المقاتلين حين الزَّحف حتَّى تكون سيوفُهم بعضُها يقع على العدوِّ، وبعضُها يرتفع عنهم، حتَّى كأنَّ السُّيوف أظَلَّت الضَّاربين بها، قال ابن الجوزيِّ: والمراد أنَّ دخوله الجنَّة يكون بالجهاد، والظِّلال: جمع ظِلٍّ، فإذا دنا الشَّخص مِنَ الشَّخص صار تحت ظلِّ سيفه، وقال في موضعٍ آخر: وإذا تدانى الخصمان صار كلُّ واحد منهما تحت ظلِّ سيف الآخر، فالجنَّة تُنال بهذا.