التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من غزا بصبي للخدمة

          ░74▒ (بابُ: مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ)
          2893- ذكر فيه حديثَ أنسٍ أَنَّه _◙_ قَالَ لأبِي طَلْحَةَ: (الْتَمِسْ غُلامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ، وخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلامٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ إِذَا نَزَلَ) فذكر فيه قصَّة صفيَّة واصطفاءَها لنفسه، وهو حديثٌ ظاهره مشكلٌ فإنَّ المعروف أنَّه خدمه قبل ذلك، قال الدَّاوُديُّ: في غير هذا الحديث: أَتَى بي أبو طَلْحَةُ إلى رسولِ الله _صلعم_ فقال: أنسٌ غلامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدِمْكَ، وقال هنا: (حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ) وهذا ليس بمحفوظٍ لأنَّ أنسًا قال: خدمته عشر سنين، فكان أوَّل خدمته قبل خيبرَ بستِّ سنين لأنَّ خيبر سنة ستٍّ، ويحتمل أنْ يكون هذا القول منه حين خروجه إلى خيبر يخدمه غير أنسٍ بالمدينة حتَّى يخرج، أو أخذه للسَّفر فقط، ونقل ابن بَطَّالٍ عن أبي عبد الله أنَّ في حديثه هذا: (وَأنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ) وفي طريقٍ آخر: وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنينَ، وكذلك في حديث ابن عبَّاسٍ: نَاهَزْتُ الحُلُمَ، وفي طريقٍ آخر: توفِّي رسولُ اللهِ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سنينَ، وقد حفظْتُ الْمُحْكَمَ الَّذي يَدْعُونَهُ الْمُفَصَّل، فسمَّى أنسٌ وابنُ عبَّاسٍ ابنَ عشر سنين مراهقًا.
          وفيه جوازُ استخدام اليتامى بشِبَعِهم وكِسْوَتهم، وجوازُ الاستخدام لهم بغير نفقةٍ ولا كسوةٍ إذا كان في خدمة عالمٍ أو إمامٍ في الدِّين لأنَّه لم يذكر في حديث أنسٍ أنَّ له أجرةَ الخدمة، وإن كان قد يجوز أن تكون نفقته مِنْ عند رسول الله _صلعم_ وأمَّا الأجرة فلم يذكرها أنسٌ في حديثه، ولا ذكرها أحدٌ عن رسول الله _صلعم_ ولا عن أبي طلحة ولا عن أمِّ سُلَيمٍ، وهما اللَّذان أتيا به إلى رسول الله _صلعم_ وأسْلَمَاه لخدمته، ولم يشترطا أجرةً ولا نفقةً ولا غيرها فجائزٌ على اليتيم إسلام أمِّه ووصيِّه وذي الرَّأي مِنْ أهله في الصِّناعات واستئجاره في المهنة، وذلك لازمٌ له وينعقد عليه، وفيه جواز حمل الصِّبيان في الغزو كما بوَّب له.
          وقوله: (يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ) فالحَويَّة: مركبٌ يهيَّأ للمرأة، قاله في «العين» فكان _◙_ يجعل العباءة حويَّةً، يجعلها حول سنام البعير.
          وقوله: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجال) قَالَ الخَطَّابِيُّ: أكثر الناس لا يفرِّقون بين الهمِّ والحزَن، وهما على اختلافهما في الاسم متقاربان في المعنى، إلَّا أنَّ الحزن إنَّما يكون على أمرٍ قد وقع، والهمُّ إنَّما هو فيما يُتوقَّع ولما يكون بعدُ، وقال القَزَّاز: الهَمُّ: هو الغمُّ والحزن، تقول: أهمَّني هذا الأمر: أحزنني وهو مُهِمٌّ، ويحتمل أن يكون مِنْ همَّه المرض إذا أذابه وأنحله، مأخوذٌ مِنْ همَّ الشَّحمَ إذا أذابه، والشَّيء مهمومٌ أي: مُذابٌ، فيكون تعوُّذه مِنَ المرض الَّذي ينحل جسمه، (وَضَلَعِ الدَّيْنِ) ثقله وغلظه، يُقال: رجلٌ ضليعٌ إذا كان بدينًا قويًّا.
          وقوله: (وكَانَتْ عَرُوسًا) قال الخليل: رجلٌ عروسٌ في رجالٍ عرسٍ، وامرأةٌ عروسٌ في نساءٍ عرائسَ قال: والعروس نعتٌ يستوي فيه الرَّجل والمرأة ما داما في تعريسهما أيَّامًا، وأحسن ذلك أن يُقال للرَّجل مُعرِّسٌ لأنَّه قد أعرس أي: اتَّخذ عروسًا، وسيأتي طرفٌ منه في المغازي [خ¦4211].