التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الغلول

          ░189▒ باب: الغُلول.
          وقول الله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ} [آل عمران:161].
          3073- ذكر فيه حديثَ أبي هريرة ☺: (قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلعم فَذَكَرَ الْغُلُولَ...) الحديث.
          وهو على سبيل الوعيد مِنَ الله لِمَنْ أنفذه عليه مِنْ أهل الغُلول، وقد تكون العقوبة حملَ البعيرِ وسائر ما عليه على رقبته على رؤوس الأشهاد وفضيحتَه به، ثُمَّ الله تعالى بعد ذلك مخيَّرٌ في تعذيبه بالنَّار أو العفو عنه، فإن عذَّبه بناره أدركته الشَّفاعة إن شاء الله تعالى، وإن لم يعذِّبه بناره فهو واسع المغفرة.
          ومعنى: (لَا أُلْفِيَنَّ) لا أجدنَّ، ألفينا: وجدنا، قال القُرْطُبيُّ: كذا الرِّواية الصَّحيحة بالمدِّ والفاء، ومعناه: لا يأخذنَّ أحدٌ شيئًا مِنَ المغانم فأجدَه يوم القيامة على تلك الحال.
          وقال النَّوويُّ: هو بضمِّ الهمزة وكسر الفاء، ورواه العُذْريُّ بفتح الهمزة والقاف مِنَ اللِّقاء، وله وجهٌ، وجاء في روايةٍ: ((لا أعرفنَّ)) والمعنى متقاربٌ، وبعض الرُّواة يقول: ((لأعرفنَّ)) _بغير مدٍّ_ على أن تكون لام القسم، وفيه بعدٌ، والأوَّل أحسن. /
          والثُّغاء _بضمِّ الثَّاء_ صوت الشَّاة يُقال: ثَغَتْ تَثْغُو، والرُّغاء: صوت الإبل، واليُعار: صوت المعز خاصَّةً، ومنه شاةٌ تَيْعَر، والحَمْحَمة: صوت الفرس عند العلف.
          قال ابن قتيبة: سُمِّي غُلولًا، لأنَّ آخذه كان يغلُّه في متاعه، أي: يُدخله في أصنافه، ومنه سُمِّي الماء الجاري بين الشَّجر غَلَلًا، وقال يعقوب: يُقال غَلَّ في المغنم يغُلُّ ويغِلُّ إذا خان، والصَّامت: الذَّهب والفضَّة.
          ومعنى (لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا) أي: مِنَ المغفرة ومِنَ الشَّفاعة حتَّى يأذن الله في الشَّفاعة لِمَنْ أراد، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28].
          وفيه أنَّ العقوبات قد تكون مِنْ جنس الذُّنوب، وهذا الحديث يفسِّر قوله تعالى: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران161] أنَّه يأتي به يحمله على رقبته، ليكون أبلغ في فضيحته، ويتبيَّن للأشهاد خيانته، وحسبُك بهذا تعظيمًا لإثم الغُلول وتحذيرًا منه.
          وقوله: (عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ) يُقال: أخفق الرَّجل بثوبه إذا لمع.
          إذا تقرَّر ذلك فالغُلول كبيرةٌ بالإجماع، وأجمعوا أيضًا على تغليظ تحريمه، وقام الإجماع أيضًا كما حكاه ابن المُنْذرِ على أنَّ الغالَّ يردُّ ما غلَّ إلى صاحب المقسم ما لم يفترق النَّاس.
          واختلفوا فيما يفعل بذلك إذا افترقوا، فقالت طائفةٌ: يدفع إلى الإمام بخُمسه ويتصدَّق بالباقي، هذا قول الحسن والزُّهْريِّ ومالكٍ والأوزاعيِّ واللَّيث والثَّوْريِّ، ورُوي معناه عن معاويةَ بن أبي سفيان، ورُوي عن ابن مسعودٍ أنَّه رأى أن يتصدَّق بالمال الَّذي لا يُعرف صاحبه، ورُوي معناه عن ابن عبَّاسٍ، قال أحمد في الحبَّة والقِيراط يبقى للبقَّال على الرَّجل ولا يُعرف موضعه: يتصدَّق به، وكان الشَّافعيُّ لا يرى الصَّدقة به، ويقول: لا أرى للصَّدقة به وجهًا، لأنَّه إن كان مِنْ ماله فليس عليه أن يتصدَّق به، وإن كان لغيره فليس له الصَّدقة بمال غيره.