التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التكبير إذا علا شرفًا

          ░133▒ باب: التَّكبير إذا عَلا شَرَفًا.
          2994- ذكر فيه حديثَ جابرٍ هذا بلفظ: (وإِذَا تَصَوَّبْنا سَبَّحْنَا) بدل: نَزَلْنَا.
          2995- وحديث ابن عمرَ ☻: (كَانَ النَّبيُّ صلعم إِذَا قَفَلَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ _وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ مِنَ الغَزْوِ_ يَقُولُ: كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ...) الحديث، قَالَ صَالِحٌ فَقُلْتُ لَهُ: أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ الله: إِنْ شَاءَ الله؟ قَالَ: لَا.
          الشَّرح: شيخ البُخَاريِّ في حديث جابرٍ في الباب الأوَّل: محمَّد بن يوسف هو الفِرْيابيُّ، وشيخُه سفيانُ هو الثَّوْريُّ.
          وشيخه في حديث ابن عمرَ: هو عبد الله، قيل: ابن يوسف، وقيل: ابن صالحٍ. قال أبو مسعودٍ الدِّمشقيُّ: النَّاس روَوا هذا الحديث عن عبد الله بن صالحٍ، وقال الجَيَّانيُّ: نسبه ابن السَّكَن فقال: حدَّثنا عبد الله بن يوسفَ.
          ومعنى: (أَوْفَى) علا وأشرف.
          والثَّنيَّة: أعلى الجبل، وهو ما يُرى منه على البعد، وقال ابن فارسٍ: الثَّنيَّة مِنَ الأرض كالمرتفع، وقال الدَّاوُديُّ: هي الطَّريق الَّتي في الجبال نظير الطَّريق بين الجبلين.
          والفَدْفَد: الأرض الغليظة ذات الحصى لا تزال الشَّمس تدفُّ فيها، ذكره القزَّاز، وقال ابن فارسٍ: الأرض المستوية، وقال الخَطَّابيُّ: رابيةٌ مشرفةٌ، وقال أبو عُبيدٍ: الفَدْفد: المكان المرتفع فيه صلابةٌ، والثَّنيَّة: أعلى مسيلٍ في رأس الجبل، وقال صاحب «العين»: الثَّنايا: العِقاب.
          وتكبيره صلعم عند إشرافه على الجبال استشعارٌ لكبرياء الله، عندما تقع عليه العين مِنْ عظيم خلقه أنَّه أكبر مِنْ كلِّ شيءٍ كما سلف قريبًا، وأمَّا تسبيحُه في بطون الأودية فهو مستنبطٌ مِنْ قصَّة يونسَ وتسبيحه في بطن الحوت، قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143-144] فنجَّاه الله تعالى بذلك مِنَ الظُّلمات، فامتثل الشَّارع هذا التَّسبيح في بطون الأودية، لينجِّيَه الله منها ومِنْ أن يدركه عدوٌّ، وقيل: إنَّ تسبيح يونسَ كان صلاةً قبل أن يلتقمه الحوت فرُوعي فيه فضلُها، والأوَّل أولى بدليلِ التَّسبيح مِنَ الشَّارع في بطون الأودية وكلِّ منخفِضٍ، وقيل: معنى تسبيحه هنا في ذلك، أنَّه لمَّا كان التَّكبير لله تعالى عند رؤية عظيمِ مخلوقاته وجب أن يكون فيما انخفض مِنَ الأرض تسبيحٌ لله تعالى لأنَّ التَّسبيح في اللُّغة: تنزيه الله تعالى مِنَ النَّقائص كالولد والشَّريك والصَّاحبة، فسبحان الله: براءته مِنْ ذلك.