التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: كانَ النبي إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال

          ░112▒ بَاب: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ القِتَالَ حتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ.
          2965- 2966- ذكر فيه حديثَ ابن أبي أَوفى ((أنَّه صلعم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا العدوَّ انْتَظَرَ حتَّى مَالَت الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاس فقال: أَيُّهَا النَّاس لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، واسألوا اللهَ العَافِيَة، فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ)).
          هذا الحديث سلفَ بعضه قريبًا [خ¦2818].
          قال المهلَّب: معنى هذا الحديث _والله أعلم_ مفهومٌ مِنْ قوله: ((نُصِرتُ بالصَّبا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ)) فهو يستبشر بما نصره الله به مِنَ الرِّياح، ويرجو أن يُهلك الله أعداءه بالدَّبُورِ كما أهلك عادًا، وإذا أُهلك عدوُّه بالدَّبُور فقد نُصر بها، فكان إذا لم يقاتل بالغدوِّ وهو الوقت الَّذي تهبُّ فيه الرِّياح أخَّر حتَّى تزول الشَّمس وتهبَّ رياح النَّصر.
          قلت: ويتمكَّن مِنَ القتال بوقت الإبراد وهبوب الرِّياح؛ لأنَّ الحرب كلَّما استحرَّت وحمي المقاتلون بحركتهم فيها وما حملوه مِنْ سلاحهم هبَّت أرواح العشيِّ وبرَّدت مِنْ حرِّهم ونشَّطتهم وخفَّفت أجسامهم، بخلاف اشتداد الحرِّ.
          وفي البُخَاريِّ في الجزية والموادعة مِنْ حديث النُّعمان بن مُقرِّنٍ: ((شهدت القتال مع رسول الله صلعم / كان إذا لم يقاتل في أوَّل النَّهار انتظر حتَّى تهبَّ الأرواح وتحضر الصَّلوات)). وفي روايةٍ لابن أصبغَ: ((انتظر حتَّى تزول الشَّمس وتهبَّ رياح النَّصر))، ولا شكَّ أنَّ أوقات الصَّلوات أفضل الأوقات ويُستجاب فيها الدُّعاء.
          وفي رواية التِّرمِذيِّ: ((غزوتُ مع رسول الله صلعم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتَّى تطلع الشَّمس، فإذا طلعت قاتلَ، فإذا انتصف النَّهار أمسك حتَّى تزول الشَّمس، فإذا زالت الشَّمس قاتل حتَّى العصر، ثمَّ أمسك حتَّى يصلَّيَ العصر ثُمَّ يقاتل))، وكان يُقال: عند ذلك تهيج رياحُ النَّصر ويفزع المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم، قال: وقد رُوي عن النُّعمان بسندٍ أوصلَ مِنْ هذا، ثُمَّ ذكر قطعةً منه وقال: حسنٌ صحيحٌ.