التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا}

          ░113▒ بَاب: اسْتِئْذَانِ الرَّجل الإِمَامَ لِقَوْلِهِ {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} الآية [النور:62].
          2967- ذكر فيه حديثَ جابرٍ السَّالفَ [خ¦2718] في بعيره وفيه: (يَا رَسُولَ الله إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى المَدِينَةِ) وفي آخره: (قَالَ المُغِيرَةُ _الرَّاوي عَنِ الشَّعبيِّ عَنْ جابرٍ_: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا).
          قال المهلَّب: هذه الآية أصلٌ في ألَّا يبرح أحدٌ عن السُّلطان إذا جمع النَّاس لأمرٍ مِنْ أمور المسلمين يحتاج فيه إلى اجتماعهم أو جهادهم عدوًّا إلَّا بإذنه، لأنَّ الله تعالى قال: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور:62] فعُلم أنَّ الإمام ينظر في الأمر الَّذي استأذنه، فإن رأى أن يأذن له أذن، وإن لم ير ذلك لم يأذن، لأنَّه لو أُبيح للنَّاس تركُه صلعم والانصراف عنه لدخل الخَرم وانفضَّ الجمع، ووجد العدوُّ غِرَّةً فيثبون عليها وينتهزون الفرصة في المسلمين.
          وفيه أنَّ مَنْ كان حديث عهدٍ بعرسٍ أو متعلِّق القلب بأهله أو ولده فلا بأس أن يستأذن في التَّعجيل عند القُفلة إلى دار الإسلام كما فعل جابرٌ، وفي هذا المعنى حديثٌ لداود ◙ يأتي [خ¦3124] أنَّه قال في غزوةٍ خرج إليها: ((لا يتبعني مَنْ ملك بضع امرأةٍ لم يبنِ بها، أو بنى دارًا ولم يسكنها)) فإنَّما أراد أن يخرج معه مَنْ لم يشغل نفسه بشيءٍ مِنْ علائق الدُّنيا، ليجتهدَ فيما خرج له وتصدُقَ نيَّتُه ويثبتَ في القتال ولا يفرَّ، ويدخل الحزمَ على غيره ممَّن لا يريد الفِرار.
          قال ابن التِّينِ: واحتجَّ الحسن بالآية المذكورة على أنَّه ليس لأحدٍ أن يذهب مِنَ الجيش حتَّى يستأذن الإمام، وهذا عند سائر الفقهاء كان خاصًّا بسيِّدنا رسول الله صلعم، وقال قومٌ: لا يذهب مَنْ كان في الجُمعة فأصابه أمرٌ ولا ينصرف حتَّى يستأذنَ الإمامَ، قال: وليس كذلك في مذاهب الفقهاء.
          والنَّاضح: السَّانية الَّتي يُسنى عليها، والفِقار: العظام المقطَّعة في الظَّهر كالفِلَك، يُقال لها: خَرَزُ الظَّهر، الواحدة: فَقَارةٌ، ومِنَ الفقار يُقال: أفقرتُ الرَّجل جملًا، يركب فِقاره ويردُّه.
          وقول المغيرة: (فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا) قال الدَّاوُديُّ: يقول أن يزاد الغريم على حقِّه تأسِّيًا برسول الله صلعم، ليس أنَّه كان خاصًّا له، لأنَّه لو كان لَبَيَّنه، ليس على أنَّ قوله يزيد قول النَّبي صلعم، وتعقَّبه ابن التِّينِ فقال: إنَّه ليس ببيِّنٍ لأنَّه لم يذكر فيه أنَّه صلعم قضاه وزاده.