التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟

          ░152▒ بَاب: إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ؟.
          3018- ذكر فيه حديث أنسٍ في العُرَنيِّين.
          وفيه: تسميل العين، وقد سلف الحديث في الطَّهارة [خ¦233]، ولم يذكر البُخَاريُّ هنا أنَّهم سملوا أعين الرُّعاة، قال ابن بَطَّالٍ: وهو يدلُّ أنَّ ذلك كان مِنْ فعلهم يُروى، إلَّا أنَّ طرق ذلك ليست مِنْ شرط كتابه، وله طرقٌ ذكرتها في / المحاربين [خ¦6802]، وقد يخرج معنى التَّرجمة مِنْ هذا الحديث بالدَّليل لو لم يصحَّ سملُ العُرَنيِّين للرِّعاء وذلك أنَّه صلعم لمَّا سَمَل أعينهم _والسَّمْل تحريقٌ بالنَّار_ استدلَّ منه البُخَاريُّ أنَّه لمَّا جاز تحريق أعينهم بالنَّار ولو كانوا لم يحرِّقوا أعين الرِّعاء أنَّه أولى بالجواز في تحريق المشرك إذا حرَّق المسلم وهو كما قال، وهو ما ردَّ به ابن التِّيْنِ على قول الدَّاوُديِّ: ليس ما ذكره في الحديث يحتمل أنَّ المسامير لمَّا أُحميت وكُحلوا بها _وكانوا فعلوا بالرِّعاء مثل ذلك_ كان ذلك كالإحراق، وروى سُحْنون عن ابن القاسم: أنَّه لا بأس برمي المركب مِنْ مراكب العدوِّ بالنَّار إذا بدؤوا بالرَّمي، وإن كان فيهم أسرى مسلمين ونساءٌ وصبيانٌ لهم.
          و(عُكْلٍ) _بإسكان الكاف_ قَبِيلٌ مِنَ العرب مِنْ مُزَينة، وصرَّح هنا بأنَّهم ثمانيةٌ.
          ومعنى (اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ) كرهوها، وهو افتعلَ مِنْ جَوِيَ يَجْوَى إذا كَره، وقيل معناه: استوخموها، وكذا هو في موضعٍ آخر مِنَ البُخَاريِّ: ((استوخَموا المدينة))، قال ابن فارسٍ: اجتويتَ البلاد إذا كرهتَها وإن كنت في نعمةٍ، وجوى مِنْ ذلك.
          و(ابْغِنَا رِسْلًا) اطلُبه لنا، يُقال: بَغَيْتُك الشَّيءَ طَلَبْتُه لك، وأَبْغَيْتُكَ: أَعَنْتُكَ على طلبه.
          والرِّسل _بكسر الرَّاء_: اللَّبن، والذَّود مِنَ الإبل: مِنَ الثَّلاثة إلى العشرة، وقيل: ينطلق في اللُّغة على الواحد، وجاء مصرَّحًا أنَّها مِنَ الصَّدقة، وشربُهم مِنْ أبوالها مِنْ باب التَّداوي.
          وفي أبوالها خلافٌ في الطَّهارة، قال الدَّاوُديُّ: مَنْ قال: إنَّها غير طاهرةٍ لا نصَّ معه ولا إجماع. وهذا يُعكس عليه كما نبَّه عليه ابن التِّيْنِ.
          و(الصَّرِيخُ) المخبر، وفيه طلبُ المحاربين.
          وقوله: (فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ) أي: ما ذهب منه كثير شيءٍ، لأنَّ معنى ترجَّل: ارتفع.
          وقوله: (فَأُحْمِيَتْ) كذا وقع رباعيًّا وهو الصَّواب في اللُّغة، ولا يُقال: فحُمِيَتْ ثلاثيًّا، وإنَّما فُعل ذلك بهم لِما في رواية سُليمان التَّيْميِّ عن أنسٍ: كانوا فعلوا بالرِّعاء مثل ذلك، وذلك جائزٌ مِنْ باب المماثَلة.
          و(الْحَرَّةِ) موضعٌ بالمدينة قاله الدَّاوُديُّ، وقال ابن الأعرابيِّ: الحرَّة: حجارةٌ سودٌ.
          وقول أبي قِلَابة: (قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ صلعم وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا) ليس هذه سرقةً إنَّما هذه حِرابةٌ، وكان أبو قِلابة مِنْ جُلَّة أهل الشَّام، وكان أكثر التَّابعين كتبًا، لمَّا توفِّي أوصى بكتبه لأَيُّوب، فوصل إليه منها حملُ بغلٍ، وعاب مالِكٌ كثيرَ كتبه، وقال له عمر بن عبد العزيز في مرض موته: تشدَّد يا أبا قِلَابة لا تُشمِّت بنا المنافقين. وكان هذا حكمَ المحاربين فنسخه قولُه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة:33].