التوضيح لشرح الجامع البخاري

كتاب المظالم والغضب

          (♫)
          ░░46▒▒ (كِتَابُ المَظَالِمِ والغَصْبِ
          وَقَوْلِ اللهِ _تعالى_: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ...} [إبراهيم:43]) إلى قوله: ({عزيزٌ ذُو انْتِقَامٍ})، ({مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} رَافِعِي) رُؤُوسِهِمْ، و(المُقْنِعُ وَالمُقْمِحُ وَاحِدٌ).
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُهْطِعِينَ} [إبراهيم:43] مُدِيمِينَ النَّظرَ، وَيُقَالُ: مُسْرِعِينَ، {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:43] يَعْنِي جُوفًا لاَ عُقُولَ لَهُمْ).
          الشَّرح: قوله: (وَيُقَالُ مُسْرِعِينَ) هو قول قَتادةَ، قال ابنُ التِّينِ: وهو المعروف في اللُّغة. قال أبو عُبَيدٍ: وقد يكون الوجهان جميعًا، يعني الإسراع كما قال قَتادةُ، يعني مع إدامة النَّظر كقول مُجاهِدٍ، وقال أَحْمَدُ بنُ يَحْيى: المُهطِع: الَّذي ينظر في ذلٍّ وخشوعٍ لا يقلع بصره. وقيل: (مُهْطِعِينَ) مسرعين في خوفٍ، وما فسَّره في (مُقْنِعِي) بمعنى: (رَافِعِي) هو قول أكثر أهل اللُّغة والتَّفسير، يقال: أقنع: إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأه ذلًّا وخضوعًا.
          وقيل: في الآية القولان، وقيل: يجوز أنْ يريدهما؛ أنْ يرفعَ رأسه يديم النَّظر ثمَّ يطأطئه ذلًّا وخضوعًا، وقيل: أقنع رأسه: إذا نصبَه لا يلتفتُ يمينًا ولا شمالًا وجعل طرفه موازيًا لِما بين يديه، وكذلك الإقناع في الصَّلاة، وقال ابنُ فارِسٍ: الإقناع: الإقبال بالوجه على الشَّيء، ومِنْه (المُقنِعُ) الرَّافعُ رأسَه مع غضِّ بصره، وهذا تفسير المُقمِح، وقيل: المُقمِح: الَّذي جذب ذقنَه إلى صدره ورفع رأسه، وأصل أقنع: إذا رفع، ومِنْه المِقْنعة لأنَّها تجعل في الأعلى، ومِنْه قَنِعَ _بالكسر_ رفع رأسه عنِ السُّؤال، ويروى أنَّهم لا يزالون يرفعون رؤوسهم ينظرون ما يأتي مِنْ عند الله، وقيل: مقنعي: ناكسي بلغة قريشٍ، الطَّرْف: البصر، وبه سمِّيت العين؛ لأنَّه بها يكون.
          وقوله: ({وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:43] يَعْنِي جُوفًا لاَ عُقُولَ لَهُمْ) أي مِنَ الخوف، وقيل: نزعت أفئدتهم مِنْ أجوافهم فلا تنفصل ولا تعود.
          تنبيهٌ: قوله _تعالى_: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر:18] فهذا إعلامٌ أنَّ القلوب فارقت الأفئدة، وقيل: خاليةٌ مِنَ الخير، وقيل: تتردَّد في أجوافهم ليس لها مكانٌ تستقرُّ به فكأنَّها تهوي، (وَأَنْذِرِ) خَوِّف.
          وقوله: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ} الآية [إبراهيم:44] قال مُجاهِدٌ: هم قريشٌ أقسموا أنَّهم لا يموتون. وقال الدَّاوُديُّ: يريد إنكارهم البعث. وقيل: مَالهم مِنْ زَوَالٍ عنِ العذاب، ({مَكْرَهُمْ}) الشِّرك أو بالعتوِّ والتَّجبُّر، ({وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ} [إبراهيم:46]) يحفظه ليجازيَهم عليه، أو يعلمه فلا يخفى عليه.
          وقوله: ({وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ}) الآية [إبراهيم:46] أي ما كان مكرُهم ليزولَ مِنْه أمر رَسُول الله _صلعم_ ونبوَّته احتقارًا لمكرهم، وقرأ الكِسائيُّ {لَتَزُولُ} بفتح اللَّام الأولى ورفع الثَّانية، أي إنْ كان مكرُهم لو بلغ إلى الجبال ولم يبلغوا هذا ما قدَروا على إزالة الإسلام حين دعَوا لله ولدًا، قال الدَّاوُديُّ: المعنى: وإنْ كان مكرهم لـتكاد تزول مِنْه الجبال، أي تعظيمًا لمكرهم، وقُرِئَ: {كاد} بالدَّال بدل النُّون.
          وقال عَلِيٌّ: إنَّ نَمْرُوْدًا لَمَّا طلعت به النُّسور بعد أنْ علَّق لها اللَّحم في الرِّماح استعلى، قيل له: أين تريد أيُّها الفاسق فاهبط، وهو قوله: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} الآية [مريم:90]، و(الجِبَالُ) جبال الأرض أو الإسلام والقرآن؛ لأنَّه في ثبوته كالجبال.