التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كتابة الإمام الناس

          ░181▒ باب: كِتابة الإمامِ النَّاسَ.
          3060- ذكر فيه حديث حُذيفة قال: قال رسولُ الله صلعم: (اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ مِنَ النَّاس)، فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ فَقُلْنَا: نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِئَةٍ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَاحَتَّى إِنَّ الرَّجل لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُوَ خَائِفٌ.
          حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَن الْأَعْمَشِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَ مِئَةٍ، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا بَيْنَ السِتِّ مِئَةٍ إِلَى سَبْعِ مِئَةٍ.
          3061- وحديث ابن عبَّاسٍ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، فقَالَ: (ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).
          الشَّرح: تعليق أبي معاويةَ محمَّد بن خازمٍ أخرجه مسلمٌ مِنْ حديث أبي بكر بن أبي شَيبةَ وغيره عنه عن الأعمش عن أبي وائلٍ عن حُذيفة.
          وراويه عن ابن عبَّاسٍ: أبو مَعبدٍ، واسمه: نافذٌ _بالذَّال المعجمة_ مات سنة أربعٍ أو تسعٍ ومئةٍ، وكان أصدق موالي ابن عبَّاسٍ.
          قال المهلَّب: فيه إنَّ كتابة الإمام النَّاسَ سنَّةٌ مِنَ الشَّارع عند الحاجة إلى الدَّفع عن المسلمين، فتعيَّن حينئذٍ فرض الجهاد على كلِّ إنسانٍ يطيق المدافعة إذا نزل بأهل ذلك البلد مخافةٌ.
          وفيه أنَّ وجوب ذلك لا يتعدَّى المسلمين وليس على أهل الذِّمَّة ذلك عن أموالهم وذراريِّهم، ولصيانتها بذلوا الجزية لنا، فعلينا حمايتهم والدَّفع عنهم.
          وفيه العقوبةُ على الإعجاب بالكثرة.
          وقوله: (فَكَتَبْنَا: أَلْفٌ وَخَمْسَ مِئَةٍ) قال الدَّاوُديُّ: لعلَّ هذا كان عام الحُدَيبية، فإنَّهم خرجوا في ألفٍ وأربع مئةٍ، وقيل: وثلاث مئةٍ، والَّذي ذكره مِنْ هذا الاختلاف لعلَّه سقط عن بعض النَّاقلين بعضُ الحديث، ولعلَّهم كتبوا عندما يريد الخروج فذكر موطنًا منها.
          وذُكر أنَّ جميع مَنْ عُدَّت له صحبةٌ مِنَ الرِّجال والنِّساء والصِّبيان ومَنْ رأى النَّبيَّ صلعم أو سمع كلامه ستُّون ألفًا، ثلاثون ألفًا بالمدينة وأعراضها، وثلاثون ألفًا في سائر البلاد.
          قلتُ: أبو زُرعة خالف هذا، فإنَّه قال: قُبض النَّبيُّ صلعم عن مئة ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفًا، كلُّهم ممَّن روى عنه وسمع منه، وقال مرَّةً: شهد مع رسول الله حجَّة الوداع أربعون ألفًا، وشهد معه تبوكَ سبعون ألفًا.
          وقوله: (نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِئَةٍ) يريد: أيام حفر الخَندق.
          فائدةٌ: موضع التَّرجمة مِنَ الفقه _كما نبَّه عليه ابن المنيِّر_ أنَّه لا يُتخيَّل أنَّ كتابتهم كان إحصاءً لعددهم وقد يكون ذريعةً لارتفاع البركة منهم كما ورد في الدَّعوات على الكفَّار: ((اللَّهمَّ أحصِهم عددًا)) أي: ارفع البركة منهم، إنَّما خرج هذا مِنْ هذا النَّحو لأنَّ الكتابة لمصلحةٍ دينيَّةٍ، والمؤاخذة الَّتي وقعت ليست مِنْ ناحية الكتابة، ولكن مِنْ ناحية إعجابهم بكثرتهم، فأُدِّبوا بالخوف المذكور في الحديث، ثُمَّ إنَّ التَّرجمة تطابق الكتابة الأولى، وأمَّا هذه الثَّانية فكتابةٌ خاصَّةٌ لقوم بأعيانهم.
          فائدةٌ: معنى قوله: (ابْتُلِينَا) إلى آخره لعلَّه كان في بعض الفتن الَّتي جرت بعده، فكان بعضهم يخفي نفسه ويصلِّي سرًّا مخافة الظُّهور والمشاركة في الفتنة والحرب.