التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو

          ░66▒ (بابُ: حَمْلِ النِّسَاءِ القِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الغَزْوِ)
          2881- ذكر حديث ثَعْلَبَةَ بنِ أَبِي مَالِكٍ: (أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ المَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هَذَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ الَّتِي عِنْدَكَ_يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ_ فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ، وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ).
          الشَّرح: هذا الحديث مِنْ أفراده، وثعلبة بن أبي مالكٍ القُرَظي وُلِد على عهد رسول الله صلعم. واسم أبي مالكٍ: عبد الله _ويُكنى أبا يحيى_ مِنْ كِنْدة، قدم أبوه أبو مالكٍ مِنَ اليمن على دِين اليهود فنزل في بني قُريظة، فَنُسب إليهم ولم يكن منهم فأسلم، قال ابن مَعينٍ: ثعلبة قد رأى النَّبيَّ _صلعم_ ذكر ذلك كلَّه أبو عمرَ، ولم يذكر أباه في الأسماء وَلا في الكُنى، وهو إمام بني قُرَيْظة وطال عمره، روى عنه ابنه أبو مالكٍ وصفوان، له حديثان مُرسلان.
          ومعنى (تَزْفِرُ) تحمل، وهو ثلاثيٌّ مِنْ زَفَر يَزْفِر، أي: يحمل، ومنه قيل للسَّقَّاءات: الزَّوافر، قال صاحب «العين» و«الأفعال»: زَفَرَ بالحِمل زَفْرًا: نهض به، وفي رواية أبي ذرٍّ: <تَخِيطُ> كما سلف، وبعضهم قال: الزِّفْرُ: القربة المملوءة ماءً، وقد سلف في الباب قبله، والمروط: الأكسية، قاله الهرويُّ، وقال ابن فارسٍ: المِرْطُ: مِلحفةٌ يُؤتزر به، وضبطه بكسر الميم، وأمِّ سَلِيط _بفتح السِّين_ مبايِعةٌ ولا يُعرف اسمُها، وليس في الصَّحابيات مَنْ يشاركها في هذه الكُنية، وهي أمُّ قيسٍ بنتُ عُبيد بن زياد بن ثَعْلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غَنْم بن مازن بن النَّجَّار، وزوجها أبو سَليطٍ أُسَيْرَة بن أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك بن عَديِّ بن النَّجَّار بن عامر بن غَنْم بن عَدِيِّ بن النَّجَّار، فولدتْ له سَلِيطًا، وقيل: سَبْرة بن عمرٍو، والأوَّل أصحُّ، وأمُّه / آمنة أخت كعْب بن عُجرة، شهد بدرًا، وعنه ابنه عبد الله، وأخته أُنَيْسة بنت أبي خارجة وَلدتْ للنُّعمان بن زيد بن عامر بن سَوَّاد بن ظَفَر قَتَادة، ثُمَّ خلف عليها مالك بن سنان فولدت له أبا سعيدٍ الخُدْريَّ سعدَ بن مالكٍ، وفي بني عديٍّ أيضًا سَلِيْط بن قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عديٍّ، كان يكسر أصنام بني عَديٍّ حين أسلم هو وأبو صِرْمَة يوم بدرٍ، فقُتل يوم جسر أبي عُبيد، روى عنه ابنه عبد الله، وقد انقرض عَقِبُه، وسَلِيْطٌ في الصَّحابة جماعةٌ أُخر، وأمُّ كلثومٍ زوجُ عمر بن الخطَّاب أمُّها فاطمة، أمهرَها أربعين ألفًا، خطبها إلى أبيها، فقال له: هي صغيرةٌ، فقال عمر: أريدها، فأرسل إليه بها، وقال: قد زوَّجتُه إنْ قبل، فلما أقبلتْ إليه قال: قد قَبِلْتُ، فلما وقفت عليه رفع طرف ثوبها، فقالت: أرسلِ الثَّوب فلولا أنَّك أمير المؤمنين للَطَمْت وجهَك، توفِّيت هي وابنُها زيد بن عمرَ في يومٍ واحدٍ أيَّام حرب زُجَاجَة، فيما ذكره ابن المعلَّى الأزديُّ في كتاب «التَّرقيص» وذكرها ابن عبد البرَّ في «استيعابه» لأنَّها وُلدت في حياته _◙_.
          وفيه دليلٌ كما قال المهلَّب: أنَّ الأَولى برسول الله _صلعم_ مِنْ أتباعه أهل السَّابقة إليه والنُّصرة له، لا يستحقُّ أحدٌ ولايته ببنوَّةٍ ولا قرابةٍ إذا لم يقارنها الإسلام، ثُمَّ إذا قارنها الإسلام يفاضل أهله بالسَّابقة والنُّصرة والمعونة بالمال والنَّفس، ألا ترى أنَّ عمرَ جعل أمَّ سَليطٍ أحقَّ بالقسمة لها مِنَ المروط مِنْ حفيدة رسول الله _صلعم_ بالبنوَّة لتقدُّم أمِّ سليطٍ بالإسلام والنُّصرة والتَّأييد، وهو معنى قوله _تعالى_: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية [الحديد:10] وَكذلك يجب ألَّا تُستحقَّ الخلافة بعده ببنوَّةٍ ولا بقرابةٍ، وإنَّما تُستحقُّ بما ذكر الله مِنَ السَّابقة والإنفاق والمقاتلة، وفيه الإشارة بالرَّأي على الإمام، وإنَّما ذلك للوزير والكاتب وأهل النَّصيحة والبطانة له، ليس ذلك لغيرهم، إلَّا أن يكون مِنْ أهل العلم والبروز في الإمامة، فله الإشارة على الإمام وغيره.