التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من يجرح في سبيل الله

          ░10▒ (بابُ: مَنْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللهِ)
          2803- ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ _صلعم_: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ _وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ_ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ).
          هذا الحديث سلف في باب: ما يقع مِنَ النَّجاسات [خ¦237]. /
          والكَلْم: الجُرح، والمراد بـ(سَبِيلِ اللهِ) الجِهاد، ويدخل فيه بالمعنى كلُّ مَنْ جُرِح في سبيل الله بِرٍّ أو وجهٍ ممَّا أباحه الله كقتال أهل البغي والخوارج واللُّصوص، أو أمرٍ بمعروفٍ أو نهيٍ عن منكرٍ، ألا ترى قوله: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ))؟ وقال ابن التِّيْنِ: يحتمل أن يريد الجهاد، ويحتمل أن يريد كلَّ مَنْ جُرِح في ذات الله، وكلُّ ما دافع فيه المرء بحقٍّ فأُصيب فهو مجاهدٌ.
          وقوله: (وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) فإنَّه يدلُّ على أنَّه ليس كلُّ مَنْ جُرح في الغزو تكون هذه حالَه عند الله حتَّى تصحَّ نيَّتُه، ويعلمَ الله مِنْ قلبِه أنَّه يُريد وجهَه ولم يخرج رياءً ولا سمعةً ولا ابتغاء دنيا يصيبها، وفيه أنَّ الشَّهيد يُبْعَث في حاله وهيئته الَّتي قُبِضَ عليها، وقد احتجَّ الطَّحَاويُّ به لِمَنْ لا يرى غسل الشَّهيد في المعترك، وقد رُوي عَن رسول الله _صلعم_ أنَّه: ((يُبْعَثُ الميِّتُ في ثِيابِهِ الَّتي قُبِضَ فِيْهَا)) أي يُعَاد خلق ثيابه كما يُعاد خلقُه، وقد أُوِّلَ بالعمل أيضًا.
          وقوله: (اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ) فيه دِلالةٌ أنَّ الشَّيء إذا حال عن حالةٍ إلى غيرها كان الحكم إلى الَّذي حال إليه، ومنه الماء تحلُّ فيه نجاسةٌ فتُغيِّر أحد أوصافه فتخرجه عن الماء المطلَق، فإن لم تُغيِّر شيئًا منها فهو على حكمه كما أسلفناه هناك، ومنه إذا انتقلتِ الخلُّ إلى الخمر، وعُورض بأنَّ المراد بالخبر الْتِذاذُ المجروح بأجر جرحه كالتِذاذ المتمضخ بالمسك برائحته، وَلا يشبه الأحكام الشَّرعيَّة.