التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر

          ░72▒ (بابُ: فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ)
          2891- ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ _صلعم_ قَالَ: (كُلُّ سُلَامَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجلَ فِي دَابَّتِهِ، يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ).
          الشَّرح: يريد بالسُّلَامى كلَّ عظمٍ في البدن، وقال الدَّاوُديُّ: هي المفاصل قال: وأكثر ما يُقال ذلك في صغارها، كعظام الكفَّين والقدمين، وأصل السُّلامى: عظم فِرسِن البعير، وعبارة صاحب «العين»: السُّلامى: عظام الأصابع والأكارع، قلتُ: وهي ثلاث مئةٍ وستُّون مَفْصِلًا كما ثبت في «صحيح مسلمٍ»، ((فمَنْ كبَّر الله وحمده وهلَّله في يوم عددها أمسى وقد زَحزح نفسه عن النَّار)) كما أخرجه عبد الرَّزَّاق عن مَعْمَرٍ عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن رجلٍ ذكره عن عائشة مرفوعًا به.
          و(يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا) يعينه في الحمل فيحملا بينهما، و(يَرْفَعُ) مَعناه يحمل ويرفعه، ومنه الحديث أنَّه _◙_ مرَّ بقومٍ يرفعون حجرًا فقالوا: هذا حجر الأشدِّ، أي: يرفعون حجرًا يتداولون حمله بينهم يمتحنون به الشِّدَّة والقوَّة، كذا قاله الخطَّابيُّ، والَّذي في الأصول مَا أوردناه: ((أَوْ يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ)).
          والخَطْوة: قال ابن فارسٍ: خَطَوت أخطو خَطْوةً أي: مرَّةً، والخطوة مَا بين الرِّجلين، وقال في «أدب الكاتب»: خطوت خُطوةً وخَطوةً، وسلف، قال ابن التِّيْنِ: وضبطه البُخاريُّ بالضمِّ.
          وقوله: (وَدَلُّ الطَّرِيقِ) أي الدِّلالة عليه، وَهذا الحديث فيه الحضُّ والنَّدْبُ على الصَّدَقة كما أمر الله _تعالى_ المؤمنين بالتَّعاون والتَّناصر في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] وقال _عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام_: ((المؤمنُ للمؤمِنِ كالبنيانِ، يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا))، ((واللهُ في عونِ العَبْدِ ما دَامَ العبدُ في عَوْنِ أَخِيْهِ)) فهذه كلُّها وما شاكلها مِنْ حقوق المسلمين بعضِهم عَلى بعضٍ مندوبٌ إليها. والمراد بهذا الحديث أنَّ الحامل في السَّفر لمتاع غيره إنَّما معناه أنَّ الدَّابَّة لِلْمُعَان فيُؤجر الرَّجل على عونه لصاحبها في ركوبها، أو في رفع متاعه عليها، وقد جاء هذا الحديث بَيِّنًا بهذا المعنى بعد هذا، وترجم له باب: مَنْ أخذ بالرِّكاب [خ¦2989] ونحوه، وذكر فيه حديث الباب وقال هنا: ((فَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ)) فدلَّ قوله مِنْ أخذٍ بالرِّكاب ونحوه أنَّه أراد لدابَّة غيره، وإذا أُجِر مَنْ فعل هذا في دابَّة غيره فأجرُه إذا حمل على دابَّة نفسه أكثر.