التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب سهام الفرس

          ░51▒ (بابُ: سِهَامِ الفَرَسِ
          وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ وَالبَرَاذِينِ مِنْهَا، لِقَوْلِهِ _تَعَالَى_: {وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ} [النحل:8] وَلا يُسْهَمُ لأكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ).
          2863- ذكر فيه حديثَ أَبِي أُسَامَةَ: (عَنْ عُبَيْدِ الله عن نافعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله _صلعم_ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا).
          هَذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا، وأخرجه الدَّارَقُطْنيُّ مِنْ حديث حجَّاج بن مِنْهالٍ عن حمَّاد بن سَلَمة عن عبيد الله عن نافعٍ... فذكره، وفيه: لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وللرَّاجِلِ سَهْمًا، ومِن حديث ابن أبي شَيبة: حدَّثنا أبو أسامة وابن نُمَيرٍ قالا: حدَّثنا عُبَيْد الله عن نافعٍ بمثله، قال الرَّماديُّ: كذا يقول ابن نُمَيرٍ، وقال أبو بكر النَّيْسابُوريُّ شيخ الدَّارَقُطْنيِّ: هذا عندي وهمٌ مِنِ ابن أبي شيبة أو مِنَ الرَّماديِّ لأنَّ أحمد بن حنبل وعبد الرَّحمن بن بِشْرٍ وغيرهما روَوه عن ابن نُمَيرٍ بخلاف هذا، قلتُ: ورواه ابن أبي عاصمٍ عن ابن أبي شيبة كما سلف، ولفظه: جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا، ثُمَّ ساقه الدَّارَقُطْنيُّ مِنْ حديث نُعيم بن حمَّادٍ: حدَّثنا ابن المبارك عن عبيد الله، وفيه: أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، قال أحمد بن منصورٍ: كَذا لفظُ أبي نُعيمٍ عن ابن المبارك، والنَّاس يخالفونه، قال النَّيْسابُوريُّ: لعلَّ الوهم مِنْ نُعيمٍ، ورواه القَعْنَبيُّ عن ابن وَهْبٍ عن عبيد الله بالشَّكِّ في الفارس أو الفرس، قال ابن حَزْمٍ: رواه عبيد الله بن عمر عن نافعٍ بلفظ: ((جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا))، وفي الباب أحاديثُ:
          أحدها: حديث مُجَمِّع بن جارية قال: شهدتُ الحُديبيَة وكان الجيش ألفًا وخمسَ مئةٍ، فيهم ثلاث مئة فارسٍ، وقُسِمت خيبرُ على أهل الحديبية فأعطى رسول الله _صلعم_ الفارسَ سهمين والرَّاجل سهمًا، رواه أبو داود عن محمَّد بن يحيى عن مُجَمِّع بنِ يعقوبَ بنِ مُجَمِّعٍ: سمعت أبي، عن عمِّه عبد الرَّحمن بن يزيدٍ عن عمِّه عن مُجَمِّع بن جارية به، قال أبو داودَ: وحديث أبي معاويةَ أصحُّ والعمل عليه، بمعنى أنَّ الوهم في حديث مُجَمِّعٍ ثلاث مئة فارسٍ، وإنَّما كانوا مئتين كما في حديث أبي معاوية، ولهذا قال البَيهَقيُّ: حديث مُجَمِّعٍ خُولف فيه، ففي حديث جابرٍ أنَّهم كانوا ألفًا وأربع مئةٍ، وفي حديث صالح بن كَيسان وبُشَير بن يسارٍ: كان الخيل مئتي فرسٍ، وأعلَّه ابن حَزْمٍ بمُجَمِّع بن يعقوبَ فقال: مجهولان، وأخطأ فمُجَمِّعٌ روى عنه جماعةٌ، منهم قُتيبة والقَعْنَبيُّ، ووثَّقوه منهم ابن مَعينٍ، وأبوه روى عنه ابن أخيه أيضًا إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّعٍ، وعبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صُهيب، وذكره ابن حِبَّان في «ثقاته».
          ثانيها: حَبيب بن أبي عَمْرة، عن أبيه، قال: أتينا النَّبيَّ _صلعم_ أربعةَ نفرٍ، فأعطى كلَّ إنسانٍ منَّا سهمًا وأعطى الفرس سهمين. أخرجه أبو داودَ مِنْ حديث عبد الرَّحمن المسعوديِّ عن ابن أبي عَمْرة عن أبيه به، وأخرجه الدَّارَقُطْنيُّ مِنْ حديث عبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبي عَمْرة عن أبيه، عن جدِّه بشير بن عمرو بن مِحْصَنٍ قال: أسهم لي النَّبيُّ _صلعم_ لفرسَيَّ أربعة أسهمٍ ولي سهمًا، فأخذت خمسةً.
          ثالثها: حديث يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزُّبَير عن جدِّه قال: ضرب رسول الله _صلعم_ عام خيبرَ للزُّبير أربعة أسهمٍ: سهم للزُّبَير، وسهم لصَفيَّة، وسهمين للفرس، رواه النَّسَائيُّ مِنْ حديث يحيى به، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ مِنْ حديث إسماعيل بن عَيَّاشٍ عن هشامٍ عن أبيه عن عبد الله بن الزُّبَير عن الزُّبَير.
          رابعها وخامسها: رواه أحمد مِنْ حديث ياسين بن معاذٍ عن الزُّهْريِّ عن مالك بن أوسٍ عن عمر وطلحة بن عبيد الله والزُّبَير قالوا: كان رسول الله _صلعم_ يُسهم للفرس سهمين.
          سادسها: رواه الدَّارَقُطْنيُّ مِنْ حديث أبي الوليد بن بُرْدٍ الأَنْطاكيِّ: حدَّثنا الهيثم بن جميلٍ، حدَّثنا قيسٌ، حدَّثنا محمَّد بن عليٍّ السُّلَميُّ، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي حازمٍ مولى أبي رُهْمٍ قال: غزونا أنا والنَّبيُّ _صلعم_ أنا وأخي ومعنا فرَسان، فأعطانا ستَّة أسهمٍ: أربعةً لفرسَينا وسهمين لنا.
          سابعها: رواه الدَّارَقُطْنيُّ أيضًا مِنْ حديث محمَّد بن الحُسين الحُنَيْنيِّ: حدَّثنا مُعَلَّى بن أسدٍ، حدَّثنا محمَّد بن حُمْران، عن عبد الله بن بُسْرٍ، عن أبي كَبْشَةَ الأَنْماريِّ قال: لمَّا فتح رسول الله _صلعم_ قال: ((إنِّي جعلت للفرس سهمين وللفارس سهمًا، فمَنْ نقصهما نقصَه الله جلَّ وعزَّ)).
          ثامنها: رواه أيضًا مِنْ حديث قُرَيْبة بنت عبد الله، عن أمِّها بنت المِقْداد، عن ضُبَاعة بنت الزُّبَير، عن المِقْداد قال: أسهم لي رسول الله _صلعم_ يوم بدرٍ سهمًا ولفرسِي سهمين.
          تاسعها: رواه أيضًا مِنْ حديث يحيى بن أَيُّوب قال: قال لي إبراهيم عن كثيرٍ مولى بني مَخزُومٍ عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ رسول الله _صلعم_ قسم لمئتي فرسٍ بخيبر سهمين سهمين.
          عاشرها: رواه أيضًا مِنْ حديث محمَّد بن يزيد بن سِنَان: حدَّثنا أبي حدَّثنا هشام بن عروة عن أبي صالحٍ عن جابرٍ قال: شهدت مع رسول الله _صلعم_ غزاةً فأعطى الفارس منَّا ثلاثة أسهمٍ، وأعطى الرَّاجل سهمًا.
          الحادي عشر: رواه أيضًا مِنْ حديث الواقِديِّ: حدَّثنا محمَّد بن يحيى بن سهل بن أبي حَثْمة عن أبيه عن جدِّه أنَّه شهد حُنَينًا مع رسول الله _صلعم_ فأسهم لفرسه سهمين وله سهمًا، قال محمَّد بن عمرَ: وحدَّثنا أبو بكر بن يحيى بن النَّضْر عن أبيه أنَّه سمع أبا هريرة يقول: أسهم رسول الله _صلعم_ للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا وهذا هُو الثَّاني عشرَ.
          الثالثَ عشرَ: رواه البَيهَقيُّ مِنْ حديث الزَّنْبَريِّ عن مالكٍ عن أبي الزِّناد، عن خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أبيه قال: أعطى النَّبيُّ _صلعم_ / الزُّبَير يوم حُنينٍ أربعة أسهمٍ: سهمين للفرس وسهمًا له وسهمًا للقرابة، ثُمَّ قال: هذا مِنْ غرائب الزَّنْبَريِّ عن مالكٍ، وإنَّما يُعرف بإسناد يحيى بن عبد الله بن الزُّبَير يعني السَّالف، قال: وفيه كفايةٌ، وفي «مراسيل أبي داود» مِنْ حديث عبد العزيز بن رُفَيعٍ، عن رجلٍ مِنْ أهل مكَّة أنَّ النَّبيَّ _صلعم_ قسم للفارس ثلاثة أسهمٍ، وللرَّاجل سهمًا وللدَّارع سهمين.
          إذا تقرَّر ذلك قال الله _تعالى_: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7] ورسوله قد قسم للفارس ثلاثة أسهمٍ: سهمًا له وسهمين لفرسه، واتِّباعُه وطاعَتُه فرضٌ، وكذا فعلَه عمرُ بن الخطَّاب وعليٌّ، ولا مخالف لهما مِنَ الصَّحابة، وهو قول عامَّة العلماء قديمًا وحديثًا غير أبي حَنِيفةَ فإنَّه قال: لا يُسهَم للفرس إلَّا سهمٌ واحد، وقال: أَكرهُ أنْ أفضِّل بهيمةً على مسلمٍ وخالفه أصحابه، فبقي وحده، وخالفه العلماء الثَّلاثة: الشَّافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ، وأبو يوسف ومحمَّد بن الحسن، وذكر المُنْذِري أنَّ قوله رُوي عن عليٍّ وأبي موسى، وقال ابن حَزْمٍ: روى ليثٌ عن الحكم أنَّ أول مَنْ جعل للفرس سهمين عمرُ بن الخطَّاب، قال ابن سُحْنون: ما أرى أن يدخل قول أبي حَنِيفةَ هذا في الاختلاف لمخالفته جميع العلماء، وما ذكره مِنْ تفضيل الفرس على المسلم شبهةٌ ضعيفةٌ لأنَّ السِّهام كلَّها في الحقيقة للرَّجل، وحجَّته رواية المِقْداد أنَّه _◙_ أعطاه يوم بدرٍ سهمًا له وسهمًا لفرسه، وجوابه أنَّ ما سلف أكثرُ، فهو أولى، ولأنَّه متأخِّرٌ فهو ينسخ المتقدِّمَ، ذكره ابن التِّيْنِ، وما نقله البُخاريُّ عن مالكٍ هو في «موطَّئه» بزيادة: والبراذين والهجين مِنَ الخيل إذا أجازها الوالي، وبقول مالكٍ يقول أبو حَنِيفةَ والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأبو ثَورٍ أنَّه يُسهَم للبراذين والهجين لأنَّها مِنَ الخيل فيُسهَم لها، وقال اللَّيث: لهما سهمٌ دون سهم الفرس ولا يُلحقان بالعِراب، وقال ابن المُناصِفِ: وأوَّل مَنْ أسهم للبِرْذَون رجلٌ مِنْ هَمْدان يُقال له: المُنْذِر الوادعيُّ، وكتب بذلك إلى عمرَ فأعجبه، فجَرَتْ سنَّةً للخيل والبَراذِين، وفي ذلك يقول شاعرهم:
وَمِنَّا الَّذِي قد سَنَّ في الخَيْل سُنَّةً                     وِكَانت سَواءً قَبْلَ ذاك سِهَامُهَا
          وفي «مراسيل أبي داود» عن مكحولٍ أنَّه _صلعم_ هجَّن الهجين يوم خَيبرَ وعرَّب العربيَّ، للعربيِّ سهمان، وللهجين سهمٌ، قال عبد الحقِّ: ورُوي موصولًا بزيادة زياد بن جارية عن حَبيب بن سَلَمة مرفوعًا، والمرسل أصحُّ، وروي عن مكحولٌ: أوَّلُ مَنْ أسهم للبِرْذَون خالدُ بن الوليد، قسم لها نصفَ سُهمان الخيل، وبه قال أحمدُ، قال ابن المُناصِف: ورُوي أيضًا عن الحسنِ، وقال مكحولٌ: لا شيء للبَراذين، وهو قول الأَوْزاعيِّ، قال ابن حَزْمٍ: للرَّاجل وراكب البغل والحمار والجمل سهمٌ واحدٌ فقط، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأبي سليمان، وقال أبو حَنِيفةَ: للفارس سهمان: له سهمٌ ولفرسه أو لسائر ما ذكرنا سهمٌ، وهو قول أبي موسى الأشعريِّ، وقال أحمد: للفارس ثلاثة أسهمٍ، ولراكب البعير سهمان، واحتجَّ مالكٌ في «الموطَّأ» بالآية السَّالفة.
          واسم الخيل يقع على الهجين والبَراذين، وهي تُغْني غَناها في كثير مِنَ المواضع، فمَنْ زعم فَرْقًا بينهما فعليه الدَّليل، واحتجَّ مالكٌ أيضًا بقول سعيد بن المسيِّب أنَّه سُئل: هل في البراذين صدقةٌ؟ قال: وهل في الخيل صدقةٌ؟
          وذهب مالكٌ وأبو حَنِيفةَ ومحمَّدُ بن الحسن والشَّافعيُّ إلى أنَّه لا يسهم لأكثر مِنَ الفرس الَّذي يقاتل عليه، وبه قال أهل الظَّاهر، وقال الثَّوريُّ والأَوْزاعيُّ وأبو يوسفَ واللَّيث وأحمدُ وإسحاقُ: يُسهم لفرسين، وهو قول ابن وهبٍ وابن الجَهمِ مِنَ المالكيَّة، ونقله ابن أبي عاصمٍ عن الحسن ومكحولٍ وسعيد بن عثمانَ، قال ابن الجَهْم: أنا بريءٌ مِنْ قول مالكٍ، فإنَّه لم يشاهدْ فيشاهدَ الحال، ولعلَّه ذهب هذا عليه، قال القُرْطُبيُّ: فلم يقل أحدٌ: إنَّه يُسهَم لأكثرَ مِنْ فرسين إلَّا شيئًا رُوي عن سليمان بن موسى الأشْدَق قال: يُسهَم لِمَنْ عنده أفراسٌ لكلِّ فرسٍ سهمان، وهو شاذٌّ.
          وحجَّة القول الأوَّل أنَّهم أجمعوا على أنَّ سهم فرسٍ واحد يجب مع ثبوت الخبر بذلك عن رسول الله _صلعم_ فثبت القولُ به إذ هو سنَّةٌ وإجماعٌ، ووجب التَّوقُّف عن القول بأكثرَ مِنْ ذلك إذ لا حُجَّة مع القائلين به، وعن مالكٍ فيما ذكره ابن المُنَاصِف: إذا كان المسلمون في سُفنٍ فلقُوا العدوَّ فغنموا، أنَّه يضرب للخيل الَّتي معهم في السُّفن بسهمهم، وهو قول الشَّافعيِّ والأَوْزاعيِّ وأبي ثَورٍ، وقال بعض الفقهاء: القياس أنَّه لا يُسهَم لها.
          واختُلف في الفرس يموت قبل حضور القتال، فقال الشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ: لا يُسهَم له إلَّا إذا حضر القتال، وقال مالكٌ وابن القاسم وأشهب وعبد الملك بن الماجِشُون: بالإدْراب يستحقُّ الفرس الإسهام، وإليه ذهب ابن حَبيبٍ، قال: ومَنْ حُطم فرسُه أو كُسر بعدَ الإيجاف أُسهمَ له.
          قال مالكٌ: ويسهم للرَّهيص مِنَ الخيل وإنْ لم يزل رَهيصًا مِنْ حين دخل إلى حين خَرج بمنزلة الإنسان المريض، وقاله ابن الماجِشُون وأَشهبُ وأَصبغُ، وقال اللَّخْميُّ: ورُوي عن مالكٍ أنَّه لا يَسهَم للمريض مِنَ الخيل.
          وقال الأَوْزاعيُّ في رجلٍ دخل دار الحرب بفرسه ثُمَّ باعه مِنْ رجلٍ دخل دار الحرب راجلًا، وقد غنم المسلمون غنائمَ قبل شرائه وبعدَه أنَّه يُسهَم للفرس فما غنموا قبل الشِّراء للبائع، وما غنموا بعد الشِّراء فسهمُه للمشتري، فما اشتبه مِنْ ذلك قُسِم بينهما، وبه قال أحمدُ وإسحاقُ، قال ابن المُنْذِرِ: وعلى هذا مذهبُ الشَّافعيِّ إلَّا فيما اشتبه، فمذهبُه أن يُوفر الَّذي أشكل مِنْ ذلك بينهما حتَّى يصطلحا، وقال أبو حَنِيفةَ: إذا دخل أرض العدوِّ غازيًا راجلًا ثُمَّ ابتاع فرسًا يُقاتل عليه وأُحْرِزت الغنيمة وهو فارسٌ، أنَّه لا يضرب له إلَّا بسهم راجلٍ.
          فائدةٌ: في قسمته _◙_ للفرس سهمين حضٌّ على إكساب الخيل واتِّخاذها، لما جعل الله فيها مِنَ البركة في إعلاء كلمة الله وإعزاز حِزبه، وليعظِّم شوكة المسلمين بالخيل الكثير، قال _تعالى_: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].
          فائدةٌ: البِرذَون كما قال ابن حبيبٍ هو: العظيم، يريد: الجافيَ الخلقةِ العظيمَ الأعلى، وليست العِراب كذلك فإنَّها أضمرُ وأرقُّ أعضاءً وأعْلى خلقةً، قال ابن التِّيْنِ: والمعروف مِنْ قول مالكٍ أنَّ البَراذين كالخيل، وقد سلف ذلك، وقال ابن حبيب: / إذا اشتبهت الخيل في القتال عليها والطَّلب أُسهم لها، قال في «المعونة»: لأنَّها تُراد للشِّعاب والجبال بخلاف الخيل، قال: والهجين والبَرَاذين: خيل الرُّوم والفرس، قال غيره: وهو الَّذي أبوه نَبَطيٌّ وأمُّه نَبَطِيَّة، قال ابن فارسٍ: اشتقاق البِرذون مِنْ بَرْذَنَ الرَّجلُ بَرْذَنَةً إذا ثقُل، وقال مكحولٌ والأَوْزاعيُّ: لا يُسهَم إلَّا للعربيِّ، وهي عند مالكٍ كالخيل كما سلف، واستدلال مالكٍ بالآية لأنَّ اسم الخيل يتناول البَراذين لأنَّه _تعالى_ قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:8]، فكأنَّه _تعالى_ استوعب ذكر جميع الحيوان المشار إلى ركوبه والحمل عليه لتعدُّد النِّعمة منه علينا، فذكر الأنعام وما يحمل عليه منها ثُمَّ ذكر الثَّلاثة، فكأنَّه استوعب هذا الجنسَ ولم يذكر البراذين ولا الهجين، فدلَّ على أنَّ اسم الخيل يتناولها، وقيل: في قول مالكٍ: يُسهَم للخيل والبراذين منها أنَّ حكمهما واحدٌ وإن لم يتناولها اسم الخيل لقوله _◙_: ((إنَّ الأشعريِّين إذا أملقوا جمعوا أزوادهم فتساوَوا فيها، فهم منِّي وأنا منهم)) لم يرد أنَّه منهم في النَّسب ولا أنَّهم مِنْ قريش، وإنَّما أراد أنَّ خُلُقهم في المساواة أقربُ إلى خلقه العظيم.