شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة

          ░195▒ باب: إِذَا اضْطُرَّ الرَّجُلُ إلى النَّظَرِ في شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ والمؤُمِنَاتِ إِذَا عَصَيْنَ اللهِ وَتَجْرِيدِهِنَّ
          فيه: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ _وَكَانَ عُثْمَانِيًّا_ قَالَ لابْنِ عَطِيَّةَ _وَكَانَ عَلَوِيًّا_: إِنِّي لأعْلَمُ مَا الذي جَرَّأَ صَاحِبَكَ على الدِّمَاءِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (بَعَثَنِي النَّبيُّ صلعم وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، تَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا، فَأَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَقُلْنَا: الْكِتَابَ، قَالَتْ: لَمْ يُعْطِنِي، قُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ، فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا) الحديث. [خ¦3081]
          قال المُهَلَّب: في هذا الحديث من الفقه أنَّ من عصى الله لا حرمة له، وأنَّ المعصية تبيح حرمته وتزيل سترته، ألا ترى أنَّ عليًّا والزُّبير أرادا كشف المرأة لو لم تخرج الكتاب؛ لأنَّ حملها له ضربٌ من التَّجسُّس على المسلمين، ومن فعل ذلك فعليه النَّكال بقدر اجتهاد الإمام مسلمًا كان أو كافرًا.
          وقد أجمعوا / أنَّ المؤمنات والكافرات في تحريم الزِّنا بهنَّ سواءٌ فكذلك في تحريم النَّظر إليهنَّ متجرِّداتٍ، فهنَّ سواءٌ فيما أبيح من النَّظر إليهنَّ في حقِّ الشَّهادة أو إقامة الحدِّ عليهنَّ، وهذا كلُّه من الضَّرورات التي تبيح المحظورات.
          وقول أبي عبد الرَّحمن: (إِنِّي لأعْلَمُ مَا الذي جَرَّأَ صَاحِبَكَ على الدِّمَاءِ) ظنٌّ منه؛ لأنَّ عليًّا على مكانته من الفضل والعلم لا يقتل أحدًا إلَّا بالواجب، وإن كان قد ضمن له الجنَّة بشهوده بدرًا وغيرها.