شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قتل النائم المشرك

          ░155▒ باب: قَتلِ المشرِكِ النَّائمِ /
          فيه: الْبَرَاءُ: (بَعَثَ النَّبيُّ ◙، رَهْطًا مِنَ الأنْصَارِ إلى أبي رَافِعٍ: لِيَقْتُلُوهُ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَدَخَلَ حِصْنَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ في مَرْبِطِ دَوَابَّ لَهُمْ قَالَ: وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ، فَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، أُرِيهِمْ أَنِّي أَطْلُبُهُ مَعَهُمْ، فَوَجَدُوا الْحِمَارَ، فَدَخَلُوا، وَدَخَلْتُ، وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ لَيْلا، وَوَضَعُوا الْمَفَاتِيحَ في كَوَّةٍ حَيْثُ أَرَاهَا، فَلَمَّا نَامُوا أَخَذْتُ الْمَفَاتِيحَ، فَفَتَحْتُ بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، فَأَجَابَنِي، فَتَعَمَّدْتُ الصَّوْتَ فَضَرَبْتُهُ فَصَاحَ، فَخَرَجْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ كَأَنِّي مُغِيثٌ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: مَا لَكَ، لأمِّكَ الْوَيْلُ؟ فقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لا أَدْرِي، مَنْ دَخَلَ عَلَيَّ فَضَرَبَنِي، قَالَ: فَوَضَعْتُ سَيْفِي في بَطْنِهِ، فَتَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى قَرَعَ الْعَظْمَ، ثُمَّ خَرَجْتُ، وَأَنَا دَهِشٌ، فَأَتَيْتُ سُلَّمًا لَهُمْ لأنْزِلَ مِنْهُ، فَوَقَعْتُ فَوُثِئَتْ رِجْلِي، فَخَرَجْتُ إلى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِبَارِحٍ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى سَمِعْتُ نَعَايَا أبي رَافِعٍ تَاجِرِ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَقُمْتُ، وَمَا بِي قَلَبَةٌ حَتَّى أَتَيْنَا الرَّسُولَ صلعم فَأَخْبَرْنَاهُ). [خ¦3022]
          وقال البراءُ: (إنَّ عبدَ اللهِ بنَ عَتِيكٍ دَخلَ عَليهِ بَيتَهُ فَقَتَلَهُ وَهُو نَائِمٌ). [خ¦3023]
          قال المُهَلَّب: فيه جواز الاغتيال لمن أغار(1) على رسول الله بيدٍ أو مالٍ، أو راعبٍ، وكان أبو رافع يعادي رسول الله ويؤلِّب النَّاس عليه، وهذا من باب قوله ◙: ((الحرب خدعة)).
          فيه: جواز التَّجسُّس على المشركين، وطلب غرَّتهم، وفيه الاغتيال في الحرب، والإيهام بالقول، وفيه الأخذ بالشِّدَّة في الحرب، والتَّعرُّض لعددٍ كثيرٍ من المشركين، والإلقاء إلى التَّهلكة في سبيل الله، وأمَّا الذي نهي عنه من ذلك فهو في الإنفاق في سبيل الله، وألَّا يخليَ يده من المال فيه رجوعًا وضياعًا، وهي رحمةٌ من الله ورخصةٌ، ومن أخذ بالشِّدَّة فمباحٌ له ذلك وأحبُّ إلينا ألَّا يأخذ بالشِدَّة في إخلاء يده من المال لوقوع النَّهي فيه خاصَّةً، وفيه الحكم بالدَّليل المعروف والعلامة المعروفة على الشَّيء؛ لحكم هذا الرَّجل بالواعية على موت أبي رافعٍ. وقال صاحب «العين»: الواعية: الصَّارخة التي تندب القتيل، والوَعَى: الصَّوت، والوَعَى: جلبة وأصوات الكلاب في الصَّيد إذا جدَّت.
          وقوله: (فَمَا بَرِحتُ حَتَّى سَمِعتُ نَعَايَا أَبِي رَافِعٍ) المعنى: انع أبا رافعٍ، جعل دلالة الأمر فيه، وعلامة الجزم آخره بغير تنوينٍ. كما قالت العرب في نظير ذلك من أدركها: دراكِها، ومن فطمت: فَطامِ كقول الرَّاجز:
دَرَاكِـهـا مـِنْ إبـِلٍ دَراكِـهـا
          يعني: أدركها. وزعم سيبويه أنَّه يطَّرد هذا الباب في الأفعال الثُّلاثيَّة كلِّها، أن يقال فيها: فَعالِ بمعنى: افعل. نحو: حَذارِ، ومَناعِ، ونَزالِ، كما تقول: انزل، احذر، امنع، وأنشد للكُمَيت:
نـَعاءِ جـُذامًا غَيـرَ مَـوتٍ ولا قَتـلٍ
          أراد: انع جذامًا.
          وقوله: (وَمَا بِي قَلَبَةٌ) قال الفرَّاء: أصله من القُلاب، وهو داءٌ يصيب الإبل، وزاد الأصمعيُّ: يشتكي البعير منه قلبه، فيموت من يومه، فقيل: ذلك لكلِّ سالمٍ ليست به علَّةٌ. وقال ابن الأعرابيِّ: معناه: ليست به علَّةٌ يقلب لها فينظر إليه.


[1] كذا في (ص) والمطبوع، وفي التوضيح: ((أعان)) وهو أولى، وقوله بعدها: ((أو راعب)) كذا في (ص) وفي التوضيح: ((أو رأي)) وهو أوضح.