شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التكبير إذا علا شرفًا

          ░133▒ باب: التَّكْبِيرِ إِذَا عَلا شَرَفًا
          فيه: جَابِرٌ: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزلنا سَبَّحْنَا. [خ¦2994]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: (كَانَ ◙ إِذَا قَفَلَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ _وَلا أَعْلَمُهُ إِلا قَالَ: الْغَزْوِ(1)_ يَقُولُ: كُلَّمَا أَوْفَى على ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ، كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ). [خ¦2995]
          قال المُهَلَّب: تكبيره عند إشرافه على الجبال استشعارٌ لكبرياء الله عندما تقع عليه العين من عظيم خلقه أنَّه أكبر من كلِّ شيءٍ تعالى، وقد تقدَّم هذا في باب التَّكبير عند الحرب. وأمَّا تسبيحه في بطون الأودية فهو مستنبطٌ من قصَّة يونس ◙ وتسبيحه في بطن الحوت، قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِن الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافات:143-144]فنجَّاه الله بذلك من الظُّلمات فامتثل النَّبيُّ صلعم هذا التَّسبيح في بطون الأودية؛ لينجِّيه الله منها ومن أن يدركه عدوُّه، وقد قيل: إن تسبيح يونس كان صلاةً قبل أن يلتقمه الحوت فروعي به فضلها، الأوَّل أولى بدليل تسبيح الرَّسول صلعم في بطون الأودية وكلِّ منخفضٍ.
          وقال غيره: معنى تسبيحه في بطون الأودية وما انخفض من الأرض أنَّه لما كان التَّكبير لله تعالى عند رؤية عظيم مخلوقاته وجب أن يكون فيما انخفض من الأرض تسبيحٌ لله؛ لأنَّ التَّسبيح في اللُّغة تنزيه الله عن صفات الانخفاض والضَّعة. قال ابن الأنباريِّ: سبحان الله: تنزيه الله من الأولاد والصَّاحبة والشُّركاء. وقال غيره: سبحان الله: براءة الله من ذلك.
          قال أبو عبيد: الفَدْفَد: المكان المرتفع فيه صلابةٌ، والثَّنيَّة: أعلى مسيلٍ في رأس الجبل. وقال صاحب «العين»: الثَّنايا: العِقَاب.


[1] في (ص): ((ولا أعلمه قال إلا الغزو)) والمثبت من المطبوع.