شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب

          ░89▒ باب: مَا قِيلَ في دِرْعِ الرَّسول صلعم وَالْقَمِيصِ في الْحَرْبِ
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ في قُبَّةٍ يوم بدرٍ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ فَقَدْ أَلْحَحْتَ على رَبِّكَ وَهُوَ في الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}الآية[القمر:45]). [خ¦2915]
          وفيه: عَائِشَةُ: (تُوُفِّي النَّبيُّ صلعم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِي). [خ¦2916]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رسُولُ الله: (مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ)، وذكر الحديث. [خ¦2917]
          قال المُهَلَّب: فيه اتِّخاذ الدِّرع والقتال فيه.
          وفيه دليلٌ على أنَّ نفوس البشر لا يرتفع عنها الخوف والإشفاق جملةً واحدةً؛ لأنَّ الرَّسول صلعم قد كان وعده الله بالنَّصر وهو الوعد الذي نشده، وكذلك قال الله عن موسى حين ألقى السَّحرة حبالهم وعصيَّهم فأخبر بعد أنَّ أعلمه أنَّه ناصره وأنَّه معهما يسمع ويرى فقال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى}[طه:67]وإنَّما هي طوارق من الشَّياطين يخوِّف بها النُّفوس ويثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة.
          وقوله: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ): اللَّهُمَّ إنِّي أسألك إنجاز وعدك وإتمامه بإظهار دينك وإعلاء كلمة الإسلام الذي رضيت بظهوره على جميع الأديان، وشئت أن يعبدك أهله، ولم تشأ ألَّا تعبد، فتمِّم ما شئت كونه؛ فإنَّ الأمور كلَّها بيدك.
          وقوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فيه تأنيس من استبطأ كريم ما وعد الله به من النَّصر بالبشرى لهم بهزم حزب الشَّيطان وتذكيرهم بما يثبِّتهم به من كتابه.
          وفيه فضل أبي بكر الصِّدِّيق ويقينه بما وعد الله نبيَّه ◙ ولذلك / سمَّاه الصِّدِّيق، وقد تقدَّم القول في حديث عائشة في كتاب الزَّكاة.