شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يتعوذ من الجبن

          ░25▒ باب مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ مِنَ الْجُبْنِ.
          فيه: سَعْدٌ: (أنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إِنَّ الرَّسُولَ صلعم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهنَّ في دُبُرَ الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وأَنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْرِ). [خ¦2822]
          وفيه: أَنَسٌ، كَانَ الرَّسُولُ صلعم يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ / مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وعَذَابِ الْقَبْرِ). [خ¦2823]
          قال المُهَلَّب: أمَّا استعاذته صلعم من الجبن فإنَّه يؤدِّي إلى عذاب الآخرة؛ لأنَّه يفرُّ من قرنه في الزَّحف فيدخل تحت وعيد الله لقوله: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ}الآية[الأنفال:16]، وربَّما يفتن في دينه فيرتدَّ لجبنٍ أدركه، وخوفٍ على صحَّته من الأسر والعبوديَّة، وأرذل العمر: الهرم والضَّعف عن أداء الفرائض وعن خدمة نفسه فيما يتنظَّف به فيكون كلًّا على أهله مستثقلًا بينهم، وفتنة الدُّنيا أن يبيع الآخرة بما يتعجَّله في الدُّنيا من حالٍ أو مالٍ، وتعوَّذ من العجز لئلَّا يعجز عمَّا يلزمه فعله من منافع الدِّين والدُّنيا.
          والعجز: مختلف في معناه، أمَّا أهل الكلام فيجعلونه: ما لا استطاعة لأحدٍ على ما يعجز عنه؛ لأنَّ الاستطاعة عندهم مع الفعل.
          وأمَّا أهل الفقه فيقولون: العجز هو ما يستطيع أن يعمله إذا أراد لأنَّهم يقولون: إنَّ الحجَّ ليس على الفور ولو كان على المهلة عند أهل الكلام لم يصحَّ معناه؛ لأنَّ الاستطاعة لا تكون إلَّا مع الفعل والذين يقولون بالمهلة يجعلون الاستطاعة قبل الفعل، وأمَّا الكسل فهم مجمعون على أنَّه ضعف النِّيَّة وإيثار الرَّاحة للبدن على التَّعب، وإنَّما أستعيذ منه لأنَّه يبعد عن الأفعال الصَّالحة للدُّنيا والآخرة، وسيأتي هذا الحديث في كتاب الدُّعاء ونزيده بيانًا ووجه حاله إن شاء الله. [خ¦6367]