شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب الأذان]

          ░░10▒▒ [كتاب الأذان](1)
          ░1▒ باب: بَدْءُ الأذَانِ
          وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ(2) إلى الصَّلاةِ...(3)} الآية(4)[المائدة:58]. وَقَوْلُهُ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية(5)[الجمعة:9].
          فيه: أنس: (ذَكَرُوا النَّاقُوسَ والنَّارَ(6)، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأذَانَ، ويُوتِرَ الإقَامَةَ). [خ¦603]
          وفيه: ابْن عُمَرَ: ((7) كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ، فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمِ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَولاَ(8) تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: يَا بِلالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ). [خ¦604]
          اختلف العلماء في وجوب الأذان، فعند مالك وأبي حنيفة والشافعيِّ: الأذان سنَّة، وقال عطاء، ومجاهد: الأذان فرض، وهو قول الأوزاعيِّ، واحتجَّوا بأنَّ النبيَّ صلعم، أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، وأمرُه على الوجوب، وحجَّةُ أهل المقالة الأولى أنَّ أصل الأذان إنَّما يكون(9) عن رؤيا رآها عبد الله بن زيد، فأصبح(10) إلى النبيِّ صلعم فأخبرَه برؤياه، فبينا هو يقصُّها إذ جاء عمر فقال: والله لقد رأيتُ مثل الذي رأى، فقال(11)◙ لعبد الله بن زيد: ((قم(12) فألقِ على بلال فإنَّه أندى منك صوتًا))، من رواية أهل المدينة والكوفة. فأمَّا رواية أهل المدينة فرواية(13) ابن إسحاق، عن الزهريِّ، عن سعيد بن المسيَّب، عن عبد الله بن زيد بمعنى ما ذكرنا، ورواه ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد،(14) عن أبيه مثلُه، وأمَّا رواية أهل الكوفة فرواه شعبة، عن عَمْرو بن مرَّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدَّثنا أصحاب محمَّد صلعم: أنَّ عبد الله بن زيد أُري الأذان في المنام، فأتى النبيَّ صلعم فأخبرَه، فقال: ((عَلِّمه بلالًا)). قال ابن القصَّار: فكان أصل الأذان عن(15) رؤيا ومشورة، ولو كان واجبًا لابتدَأه النبي صلعم ولم يأخذْه عن منام أحدٍ، فإن قيل: فإنَّ الأمر وإن جرى كذلك فقد يحصل واجبًا بعد ذلك، ألا ترى أنَّ نبيَّ الله صلعم حكَّم سعدًا في سبيِ بني قُريظة فكان حكمُه واجبًا، ومعاذًا تبع النبي صلعم في صلاته ثم قضى،(16) فقال النبي صلعم: ((سنَّ لكم معاذ سنَّةً فاتبعوها)).
          قيل: إنَّ معاذًا وسعدًا لا يجوز أن يفعلا شيئًا بين يدي رسول الله صلعم إلا عن أمرٍ ظهر لهما من دينِه ◙، بدلالة نصبها لهما، وليس كذلك الأذان إنَّما كان عن رؤيا.
          وأمَّا قولُه: (أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ)، فليس في ظاهرِه إيجاب ولا ندب، وإنَّما هو للشفع والوتر، هل(17) الأصل واجب أم لا؟، يحتاج إلى دلالة،(18) النبي صلعم قد يأمر بصفات في السنن، فلا تدلُّ على أنَّها(19) واجبة، بل إذا فُعلت ودخل فيها وجب أن يفعلها بصفاتها.


[1] قوله: ((كتاب الأذان)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((ناديتم)) ليس في (ق).
[3] زاد في (ص): ((اتخذوها هزوًا)).
[4] قوله: ((الآية)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((الآية)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((قال: ذكروا النار والناقوس)).
[7] زاد في (ص): ((قال)).
[8] في (ص): ((أفلا)).
[9] في (ق): ((كان)).
[10] في (ق): ((فأتى)).
[11] زاد في (ق): ((رسول الله)).
[12] قوله: ((قم)) ليس في (ق).
[13] في (ق): ((فرواه)).
[14] قوله: ((بمعنى ما ذكرنا، ورواه ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد)) ليس في (ص).
[15] في (ق): ((على)).
[16] في (م): ((في صلاة ثم مضى)).
[17] في (ق) و(ص): ((وهل)).
[18] زاد في (ص): ((و)).
[19] في (م): ((ولا يدلّ أنها)).