شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب الوتر]

          ░░14▒▒ باب: الْوِتْرِ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم قال: / صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى). [خ¦990] [خ¦991]
          وكَانَ ابنُ عُمَرِ يسلِّمُ بَينَ الرَّكعةِ والرَّكعَتيِن في الوَترِ حتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ(1) حَاجَتِهِ.
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ (أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خالته مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبيُّ صلعم فَصَلَّى نِصْفَ اللَّيْلِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ). [خ¦992]
          قالَ(2) القَاسِمُ: وَرَأَيْنا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاثٍ، وَإِنَّ كُلًّا لَواسِعٌ أرجو(3) ألَّا يكونَ بِشَيءٍ مِنهُ بَأسٌ(4).
          وفيه: عَائِشَة: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يُصَلِّي باللَّيل إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاةَ اللَّيلِ(5)). [خ¦994]
          اختلف العلماء في صلاة(6) الوتر، فقالت طائفةٌ: الوتر ركعة، رُوي ذلك عن ابن عمر، وقال: كذلك أوتر(7) النَّبيُّ ◙ وأبو بكرٍ وعمر، ورُوي عن عثمان(8) أنَّه كان يحيي اللَّيل بركعةٍ يجمع فيها القرآن يوتر بها، وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ وابن عبَّاسٍ ومعاوية وأبي موسى وابن الزُّبير وعائشة: الوتر ركعةٌ(9)، وبه قال عطاءٌ ومالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ، إلَّا أنَّ مالكًا قال: الوتر واحدةٌ، ولا بدَّ أن يكون قبلَها شفعٌ ليسلِّم(10) بينهنَّ في الحضر والسَّفر، وروى عليٌّ عن مالكٍ: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدةٍ، وأوتر سَحنون في مرضه بواحدةٍ، وقال الأوزاعيُّ: إن شاء فصل بينهما وإن شاء لم يفصل.
          وقالت طائفةٌ: يوتر بثلاث ركعاتٍ(11) لا يفصل بينهنَّ بسلام، رُوي ذلك عن عمر وعليٍّ وابن مسعودٍ وحذيفة وأُبَيِّ بن كعبٍ وابن عبَّاسٍ وأنسٍ(12) وأبي أمامة، وبه قال عُمَر بن عبد العزيز، والفقهاء السَّبعة بالمدينة، وقال سعيد بن المسيِّب: لا يُسلِّم في الرَّكعتين من الوتر، وإليه ذهب الكوفيُّون والثَّوريُّ، وقال الأوزاعيُّ: إن شاء فصل بينهنَّ بسلام، وإن شاء لم يفصل(13).
          وتأوَّل الكوفيُّون حديث ابن عبَّاسٍ حين بات عند خالته ميمونة، ورمق صلاته ◙ باللَّيل، فذكر أنَّه صلَّى ركعتين ثمَّ ركعتين(14) حتَّى عَدَّ اثنتي(15) عشرةَ ركعةً قال: ثمَّ أوتر، فيحتمل(16) أن يكون أوتر بواحدةٍ مع اثنتين قد(17) تقدَّمتاها فتكون مع الواحدة ثلاثًا، وكذلك تأوَّلوا في حديث عائشة (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يُصَلِّي باللَّيل(18) إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاتَهُ باللَّيلِ) أنَّ الوتر منها الرَّكعة الأخيرة(19) مع ركعتين تقدَّمتها.
          قالوا: ويدلُّ على صحَّة(20) حديث عائشة ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ لا يزيدُ في رَمَضَانَ ولا غَيرِهِ على إحدى عَشْرةَ رَكعةً، يصلِّي أربعًا فلا تَسَلْ(21) عن حُسْنِهنَّ وطولِهنَّ، ثمَّ يُصَلِّي أربعًا كَذلِكَ(22)، ثمَّ يُصلِّي ثلاثًا)) فدلَّ أنَّ الوتر ثلاث. وقال أهل المقالة الأولى: قوله صلعم: ((صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)) تفسير(23) حديث عائشة ((أنَّه كانَ يصلِّي أربعًا ثمَّ أربعًا ثمَّ ثلاثًا(24))) وهي زيادةٌ يجب قبولها.
          وقوله: (فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ، فَأَوْتِر بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ) دليل أنَّ الوتر واحدةٌ لأنَّه ◙، قال في الرَّكعة: إنَّما(25) هي الَّتي توتر ما قبلها، والوتر في لسان العرب هو الواحد، فلذلك(26) قال النَّبيُّ صلعم(27): ((إنَّ اللهَ وِترٌ))، أي واحدٌ لا شريك له، والحكم يتعلق بأوَّل الاسم كما أنَّ الظَّاهر من قوله: (مَثْنَى مَثْنَى)، أي ثنتين(28) مفردتين(29)، فدلَّ ذلك أنَّ الواحدة هي الوتر(30) دون غيرها، وإذا جازت الرَّكعة بعد صلاة ركعتين أو أكثر جازت دونها لأنَّها منفصلة بالسَّلام منها.
          وكان مالكٌ يكره الوتر بواحدةٍ ليس(31) قبلها نافلةٌ، ويقول: أيُّ شيء توتر له الرَّكعة؟ وقد قال صلعم: (تُوْتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى)، ألا ترى أنَّه لم يوتر قطُّ ◙ إلَّا بعد عشر ركعاتٍ أو اثنتي(32) عشرة ركعةً على اختلاف الأحاديث في ذلك، فلذلك استحبَّ أن تكون للرَّكعة الوتر نافلة توترها، قال(33) وأقلَّ ذلك ركعتان. وإنَّما ذكر البخاريُّ عن ابن عمر أنَّه كان يسلِّم بين الرَّكعة والرَّكعتين في الوتر خلافًا لأبي حنيفة، وكلُّ من رُوي عنه الفصل بين الشَّفع وركعة الوتر بسلامٍ يجيز الوتر بركعةٍ واحدةٍ ليس قبلها شيءٌ، وقال(34) الشَّعبيُّ: كان آل سعدٍ(35) وآل عبد الله بن عُمَر يسلِّمون في ركعتي الوتر، ويوترون بركعةٍ.
          وقوله صلعم: (فَإِذَا خَشِيَ / أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً) يدلُّ أنَّ آخر وقت الوتر انفجار الصُّبح، فإذا انفجر الصُّبح(36)، فقد خرج وقت الوتر ولا يعيدها من فاتته حينئذٍ، رُوي هذا عن ابن عمر وعطاءٍ والنَّخعيِّ وسعيد بن جبيرٍ. وقالت طائفةٌ أخرى(37): وقت الوتر ما لم يُصلِّ الصُّبح، رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ وابن عبَّاسٍ وجماعةٍ، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد، وقال أبو حنيفة: عليه قضاء الوتر وإن صلَّى الصُّبح، وعن الحسن والشَّعبيِّ(38) وطاوسٍ: يصلِّي الوتر وإن طلعت الشَّمس(39)، وبه قال الأوزاعيُّ وأبو ثور، وعن سعيد بن جبيرٍ: يوتر من اللَّيلة القابلة.


[1] في (ق): ((لبعض)).
[2] في (ق): ((وقال)).
[3] في (ي): ((وأرجو)). في (ص): ((أرجوا)).
[4] في (ي): ((يكون منه بأس)).
[5] في (م): ((صلاته بالليل))، و في (ق): ((تلك بالليل)).
[6] في (م) و (ق): ((عدد)).
[7] في (م) و (ق): ((كذلك كان وتر)).
[8] في (م) و (ق): ((عثمان بن عفان)).
[9] في (ق): ((بركعة)).
[10] في (م) و(ص): ((يسلم)).
[11] قوله: ((ركعات)) ليس في (م) و(ق).
[12] قوله: ((وأنس)) ليس في (م).
[13] قوله: ((وقال الأوزاعي: إن شاء فصل بينهن بسلام، وإن شاء لم يفصل)) ليس في (م) و(ق).
[14] في (ي): ((ركع)).
[15] في (م) و(ص): ((ثنتي)).
[16] في (م): ((اثنتي عشرة ركعة ثم أوتر قالوا فيحتمل)).
[17] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[18] قوله: ((بالليل)) ليس في (م) و (ق).
[19] في (م): ((الآخرة)).
[20] زاد في (م): ((هذا)).
[21] في (م) و(ص): ((تسأل)).
[22] قوله: ((كذلك)) ليس في (م) و (ق).
[23] في (ق) و (م) و (ي) و(ص): ((يفسر)).
[24] في (ي): ((أربعًا أربعًا بالليل)).
[25] في (م): ((إنها)).
[26] في (م): ((ولذلك)).
[27] في (ق) و(ي) و(ص): ((قال ◙)).
[28] قوله: ((أي ثنتين)) ليس في (ص).
[29] في (ز): ((فرديتن)) والمثبت من باقي النسخ.
[30] في (م): ((أن الوتر هي الواحدة)).
[31] في (ص): ((فليس)).
[32] في (م): ((ثنتي)).
[33] في (ق): ((أن تكون الركعة الوتر بعد نافلة قال))، و في (م): ((أن تكون الركعة الوتر بعد نافلة يوترها قال))، قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[34] في (م) و(ق): ((قال)).
[35] في (ص): ((آل شعبة)).
[36] قوله: ((الصبح)) ليس في (م) و(ق) و(ي) و(ص).
[37] في (م): ((أخر)).
[38] في (ق) و(م) و (ي) و(ص): ((وعن الشعبي والحسن)).
[39] قوله: ((يصلِّي الوتر وإن طلعت الشَّمس)) تكرر في (ص).