شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب فرض الخمس]

          ░░57▒▒ كِتَاب الخُمُس
          ░1▒ فَرْضُ الخُمُسِ
          فيه: عَليٌّ: (كَانَتْ لي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبيُّ صلعم أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلعم وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ في وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ(1) وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إلى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَرَجَعْتُ، حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، ولَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ في هَذَا الْبَيْتِ، في شَرْبٍ مِنَ الأنْصَارِ، / فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ على النَّبيِّ صلعم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبيُّ صلعم في وَجْهِي الذي لَقِيتُ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ على نَاقَتَيَّ؛ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَذا هُوَ في بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبيُّ صلعم بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الذي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إلى رَسُولِ اللهِ صلعم ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إلى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إلى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إلى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأبِي، فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ صلعم على عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ). [خ¦3091]
          وفيه: عَائِشَةُ، أَنَّ فَاطِمَةَ بنَت الرَّسُولِ صلعم سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبيِّ صلعم أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا، مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلعم مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلعم فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلعم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَعْمَلُ بِهِ، إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ أَترُكَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَدَفَعَهَا عُمَرُ إلى عليٍّ وَعَبَّاسٍ، وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ، فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ، فقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ صلعم كَانَتَا لِحُقُوقِهِ التي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إلى مَنْ وَلِيَ الأمْرَ، قَالَ: فَهُمَا على ذَلِكَ إلى الْيَوْمِ. [خ¦3092] [خ¦3093]
          وفيه: مَالِكُ بْنُ أَوسٍ(2)، كُنَّا عِندَ عُمَر إِذْ جَاءَ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ في عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ، يَسْتَأْذِنُونَ، قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ في عَليٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلا فَسَلَّمَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللهُ على رَسُولِهِ صلعم مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآْخَرِ، قَالَ عُمَرُ(3): تَيْدَكُمْ أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ(4): لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلعم نَفْسَهُ، قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلى عَليٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللهَ، تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأمْرِ إِنَّ اللهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صلعم مِنْ هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ على رَسُولِهِ مِنْهُمْ}[الحشر:6]إلى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هَذِهِ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللهِ صلعم وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلا أسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ صلعم يُنْفِقُ على أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلعم حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعليٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ رَسُولَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أبي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَا تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا _يُرِيدُ عَلِيًّا_ يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، فَلَمَّا بَدَا لي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا على أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى عليٍّ وَالعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللهِ الذي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ لا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا، فَادْفَعَاهَا إليَّ؛ فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا. [خ¦3094]
          قال المؤلِّف: أمَّا قول عليٍّ: (أَعطَانِي النَّبيُّ صلعم شارفًا مِنَ الخُمسِ): يعني يوم بدرٍ، فظاهره أنَّ الخمس قد كان يوم بدرٍ، ولم يختلف أهل السِّير أنَّ الخمس لم يكن يوم بدرٍ. ذكر إسماعيل / بن إسحاق قال: في غزوة بني قريظة حين حكم سعدٌ بأن تقتل المقاتلة وتسبى الذُّرِّيَّة، قيل: إنَّه أوَّل يومٍ جُعِل فيه الخمس.
          قال: وأحسب أنَّ بعضهم قال: نزل أمر الخمس بعد ذلك، ولم يأت في ذلك من الحديث ما فيه بيانٌ شافٍ، وإنَّما جاء أمر الخمس يقينًا في غنائم حنينٍ، وهي آخر غنيمةٍ حضرها رسول الله صلعم.
          قال المؤلِّف: وإذا لم يختلف أنَّ الخمس لم يكن يوم بدرٍ فيحتاج قول عليٍّ: (أَعطَانِي رَسُولُ الله صلعم شارفًا مِنَ الخُمسِ) إلى تأويلٍ لا يعارض قول أهل السِّير، ويحتمل أن يكون معناه _والله أعلم_ ما ذكره ابن إسحاق أنَّ النَّبيَّ صلعم بعث عبد الله بن جحشٍ في رجب في السَّنة الثَّانية من الهجرة بعد بدرٍ الأولى في سريَّة إلى نخلةٍ بين مكَّة والطَّائف فوجد بها قريشًا، فقتلوهم وأخذوا العير.
          قال ابن إسحاق: ذكر لي بعض آل عبد الله بن جحشٍ أنَّ عبد الله قال لأصحابه: إنَّ لرسول الله ممَّا غنمنا الخمس. وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغنم فعزل لرسول الله صلعم خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه، فوقع فرض الله في قسمة الغنائم على ما كان عبد الله صنع في تلك العير، ثمَّ خرج رسول الله صلعم في رمضان بعد هذه السَّريَّة إلى بدرٍ فقتل بها صناديد الكفَّار. فبان بهذا الخبر معنى قول عليٍّ أنَّ الرَّسول صلعم أعطاه شارفًا من نصيبه من المغنم يوم بدرٍ (وَأَعطَانِي رَسُولُ اللهِ شَارِفًا مِنَ الخُمسِ يَومَئِذٍ).
          واختلف العلماء في الخمس كيف يقسمه الإمام، فقال مالكٌ: يسلك بالخمس مسلك الفيء، فإن رأى الإمام حبس ذلك لنوائب تنزل بالمسلمين فعل، وإن شاء قسمه فأعطى كلَّ واحدٍ على قدر ما يغنيه، ولا بأس أن يعطي أقرباءَ رسول الله صلعم على قدر اجتهاد الإمام، وكان يرى التَّفضيل في العطاء على قدر الحاجة.
          وقال أبو حنيفة: الخمس على ثلاثة أسهمٍ، يقسم سهم اليتامى والمساكين وابن السَّبيل فيهم، ويؤخذ سهم ذوي القربى وسهم النَّبيِّ صلعم فيُردَّان في الكُرَاع والسِّلاح. واحتجَّ أبو حنيفة بما رواه الثَّوريُّ عن قيس بن مسلمٍ، عن الحسن بن محمَّد ابن الحنفيَّة أنَّهم اختلفوا في سهم الرَّسول صلعم وسهم ذوي القربى، فقال: سهم الرَّسول للخليفة بعده. وقال بعضهم: سهم ذوي القربى هو لقرابة الرَّسول صلعم. وقال بعضهم: هو لقرابة الخليفة. فأجمع رأيهم أنَّهم جعلوا هذين السَّهمين في العدَّة والخيل، فكان ذلك في خلافة أبي بكر وعمر.
          قال إسماعيل بن إسحاق: ولا يجوز أن يبطل عمر ولا غيره سهم ذي القربى؛ لأنَّه مسمًّى في كتاب الله ولم ينسخه شيءٌ، ومن أبطله فقد ركب أمرًا عظيمًا. وزعم الشَّافعيُّ أنَّ الخمس يقسم على خمسة أخماسٍ، فَيُردُّ سهم النَّبيِّ صلعم على من سمَّي معه من أهل الصَّدقات وهم ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السَّبيل، وزعم أنَّ قوله: {لله}[الأنفال:41]مفتاح كلامٍ.
          قال إسماعيل: ويسقط أبو حنيفة سهم ذوى القربى وأخذ في طرفٍ، وأخذ الشَافعيُّ في طرف آخر وترك التَّوسُّط من القول الذي مضى عليه الأئمَّة. والاختلاف الذي اختلفوا فيه لم يكن على ما توهَّم أبو حنيفة وإنَّما روى ابن عبَّاسٍ أنَّهم ناظروا عمر في سهم ذوي القربى على أن يكون لهم خمس الخمس فأبى عمر من ذلك، وذهب إلى أنَّ الخمس يقسم في ذوي القربى وغيرهم على الاجتهاد.
          قال إسماعيل: قوله: {لله} وقد ذكر الله في كتابه: {مَا أَفَاء اللهُ على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}[الحشر:7]وقال تعالى: {قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ}[الأنفال:1]فأيُّ كلامٍ جاء بعد هذا فيكون هذا مفتاحًا له. وإذا قيل: (لله) فهو أمرٌ مفهوم اللَّفظ والمعنى؛ لأنَّه يعلم أنَّ الرَّجل إذا قال: فعلت هذا الشَّيء لله أنَّه فيما يُقَرِّب إلى الله، وهذا لا يحتاج أن يقال فيه: مفتاح كلامٍ. وكذلك قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:41]معناه فيما يقرِّب من الله ورسوله صلعم، وكذلك قال عُمَر بن عبد العزيز في قوله: {لله} قال: اجعلوه في سبيل الله التي يأمر بها، ولو كان قوله: {الله} لا يوجب شيئًا لكان ما بعده لا يوجب شيئًا؛ لأنَّ ما بعده معطوفٌ عليه، فإن كان القول الأوَّل لا يجب به شيءٌ فكذلك ما عطف عليه لا يجب به شيءٌ.
          وأمَّا حديث تنازع عليٍّ والعبَّاس فلم يتنازعا في الخمس، وإنَّما تنازعا فيما كان لرسول الله صلعم خاصًّا ممَّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ فتركه الرَّسول صدقةً بعد وفاته، فحكمه كحكم الفيء، ففيه حجَّةٌ لمالكٍ في قوله: إنَّ مجرى الخمس والفيء واحدٌ، وهو خلاف قول الشَّافعيِّ أنَّ الفيء فيه الخمس، وأنَّ خمس الفيء يقسم على خمسة أسهمٍ وهم الذين قسم الله لهم خمس الغنيمة. وهذا لم يقله أحدٌ قبل الشَّافعيِّ، والنَّاس على خلافه.
          وقول عمر في حديث مالك بن أوسٍ: (فكان الرَّسولُ صلعم يُنفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ نَفَقةَ سَنَتِهِم، ثُمَّ يَأخُذُ / مَا بَقِيَ مِنهُ فَيَجعَلُهُ مَجْعَلَ مَا للهِ) يعني: مجعل الفيء، ولم يذكر أنَّه كان صلعم يلزمه إخراج الخمس منه، حجَّةٌ على الشَّافعيِّ؛ لأنَّه يمكن أن يفضل له من سهمه بخيبر بعد نفقة سنته مثل الذي ينفقه أو أكثر أو أقلُّ، ولو كان فيه الخمس لبيَّن ذلك.
          وقال الطَّحاويُّ: وقول الشَافعيِّ في الفيء أنَّه يخمَّس خطأٌ؛ لأنَّ الله تعالى ذكر الغنائم فأوجب فيها الخمس، وذكر الفيء فقال تعالى: {مَّا أَفَاء اللهُ على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}[الحشر:7]فذكر فيه الرَّسول وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السَّبيل كما قال تعالى في آية الخمس، ثمَّ قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ}[الحشر:9]{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ}[الحشر:10]فذكر في الغنائم الخمس لأصنافٍ مذكورين، وذكر في آية الفيء الجميع في جميع الفيء، حيث أنَّ حكم الفيء غير حكم الغنيمة.
          قال المُهَلَّب: ووجه هجران فاطمة لأبي بكرٍ أنَّها لم يكن عندها قوله صلعم: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ) ولا علمته، ثمَّ أنفت أن تكون لا ترث أباها كما يرث النَّاس في الإسلام والجاهليَّة، مع احتمال الحديث عندها أنَّه صلعم أراد بعض المال دون بعضٍ، وأنَّه لم يرد به الأصول والعقار، فانقادت وسلَّمت للحديث.
          وإنَّما كان هجرها له انقباضًا عن لقائه وترك مواصلته(5) وليس هذا من الهجران المحرَّم، وإنَّما المحرَّم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلِّم أحدهما على صاحبه، ولم يرو أحدٌ أنَّهما التقيا وامتنعا من التَّسليم، ولو فعلا ذلك لم يكونا بذلك متهاجرين إلَّا أن تكون النُّفوس مظهرةً للعداوة والهجران، هذا وجه هجرانها له لكنَّها وجدت عليه أن حرمها ما لم يحرم أحدٌ.
          ولسنا نظنُّ بهم إضمار الشَّحناء والعداوة، وإنَّما هم كما وصفهم الله {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}[الفتح:29]وروى عن عليٍّ أنَّه لم يغيِّر شيئًا من سنَّة أبي بكرٍ وعمر بعد ولايته في تركة رسول الله صلعم بل أجرى الأمر على ما أجرياه في حياتهما.
          فإن قيل: فما معنى حديث عائشة في هذا الباب، وليس فيه ذكر الخمس؟ قيل هو موافقٌ للباب؛ وذلك أنَّ فاطمة إنَّما جاءت تسأل ميراثها من الرَّسول صلعم من فدكٍ وخيبر وغيرهما، وفدكٌ ممَّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ فلم يجر فيها خمسٌ. وأمَّا خيبر فابن شهابٍ ذكر أنَّ بعضها صلحٌ وبعضها عنوةٌ، فجرى فيها الخمس. وقد جاء هذا في بعض طرق الحديث في كتاب المغازي قالت عائشة: إنَّ فاطمة جاءت تسأل نصيبها ممَّا ترك الرَّسول صلعم ممَّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدكٍ، وإلى ما بقي من خمس خيبر، وإلى هذا إشارة البخاريُّ، واستغنى بشهرة الأمر عن إيراده مكشوفًا بلفظ ((الخمس)) في هذا الباب.
          وفي حديث مالك بن أوسٍ من الفقه أنَّه يجب أن يولَّى أمر كلِّ قبيلة سيدُّهم؛ لأنَّه أعرف باستحقاق كلِّ رجلٍ منهم لعلمه بهم.
          وفيه: أنَّ للإمام أن ينادي الرَّجل الشَّريف باسمه وبالتَّرخيم له، ولا عار على المنادى بذلك ولا نقيصة.
          وفيه: استعفاء الإمام ممَّا يولِّيه، واستنزاله في ذلك بألين الكلام؛ لقول مالكٍ لعمر حين أمره بقسمة المال بين قومه: (لَوْ أَمَرتَ بِهِ غَيرِي).
          وفيه: الجلوس بين يدي السُّلطان بغير إذنه.
          وفيه: الشَّفاعة عند الإمام في إنفاذ الحكم إذا تفاقمت الأمور وخشي الفساد بين المتخاصمين؛ لقول عثمان: (اقْضِ بَينَهُما، وأَرِحْ أَحَدَهُما مِنَ الآخَرِ) وقد ذكر البخاريُّ في المغازي أنَّ عليًّا والعبَّاس استبَّا يومئذٍ.
          وفيه: تقريرٌ الإمام من يشهد له على قضائه وحكمه، وبيان وجه حكمه للنَّاس.
          وأمَّا مجيء العبَّاس وعليٍّ إلى أبي بكر فإنَّما جاءا يطلبان الميراث من تركة النَّبيِّ صلعم من أرضه من فدكٍ وسهمه من خيبر وصدقته بالمدينة على ما ثبت من حديث عائشة في هذا الباب، فأخبرهم أنَّه قال صلعم: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنا صَدَقَةٌ) فسلَّما لذلك وانقادا، ثمَّ جاءا بعد ذلك إلى عمر على اتِّفاق بينهما، يطلبان أن يولِّيهما العمل، والنَّظر فيما أفاء الله على رسوله صلعم من بني النَّضير خاصَّةً؛ ليقوما به، ويُسبِّلاه في السُّبل التي كان النَّبيُّ صلعم يُسبِّله فيها؛ إذ كانت عند ذلك مصروفةً في تقوية الإسلام وأهله، وسدِّ خلَّة أهل الحاجة منهم، فدفعه عمر إليهما على الإشاعة بينهما والتَّساوي والاشتراك في النَّظر والأجرة.
          وأمَّا مجيئهما إليه المرَّة الثَّانية فلا يخلو من أحد وجهين: إمَّا أن يطلب كلُّ واحدٍ منهما أن ينفرد بالعمل كلِّه، أو ينفرد بنصيبه؛ وفرَّا من الإشاعة؛ لما يقع بين العمال والخدم من التَّنازع، فأبى عمر أن يكون إلَّا على الإشاعة؛ لأنَّه لو أفرد واحدًا منهما بالعمل والنَّظر لكان وجهًا من وجوه الأثرة، فتناسخ القرون وهي بيد بعض قرابة الرَّسول صلعم دون بعضٍ / فيستحقُّها الذي هي بيده، ولم ير أن يجعلها نصفين على غير الإشاعة؛ لأنَّ سنَّة الأوقاف ألَّا تقسم بين أهلها، وإنَّما يقسم غلَّاتها، فلذلك حلف أن يتركها مجملةً ولا يقسمها بينهم، فيشبه ذلك التَّوريث، والله أعلم.
          وقد ذكر البخاريُّ في المغازي أنَّ عليًّا غلب العبَّاس على هذه الصَّدقة ومنعه منها، ثمَّ كانت بيد بني عليٍّ بعده يتداولونها.
          وجميع ما تركه الرَّسول صلعم من الأصول وما جرى مجراها ممَّا يمكن بقاء أصله والانتفاع به فحكمه حكم الأوقاف تجرى غلَّاتها على المساكين، والأصل باقٍ على ملك الموقف، فقوله: (مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ) يعني: صدقة موقوفة، وسيأتي معنى قوله صلعم: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكنا صَدَقَةٌ) في كتاب الفرائض إن شاء الله. [خ¦6725] [خ¦6726] [خ¦6727] [خ¦6728] [خ¦6729] [خ¦6730]
          وأمَّا قوله: (إِنَّ اللهَ خَصَّ رَسُولَهُ صلعم) فخصَّه بإحلال الغنيمة ولم تحلَّ لأحدٍ قبله، وخصَّه بما أفاء الله عليه من غير قتالٍ من أموال الكفَّار تكون له دون سائر النَّاس، وخصَّه بنصيبه في الخمس، وهذا معنى ذكر هذا الحديث في باب فرض الخمس، وفيه أنَّه لا بأس أن يمدح الرَّجل نفسه ويطريها إذا قال الحقَّ، وذلك إذا ظنَّ بأحدٍ أنَّه يريد تنقُّصه.
          وفيه: جواز ادِّخار الرَّجل لنفسه وأهله قوت السَّنة، وأنَّ ذلك كان من فعل الرَّسول صلعم حين فتح الله عليه من النَّضير وفدكٍ وغيرهما، وهو خلاف قول جهلة الصُّوفيَّة المنكرة للادِّخار، الزَّاعمين أنَّ من أدَّخر فقد أساء الظَنَّ بربِّه ولم يتوكَّل عليه حقَّ توكُّله.
          وفيه: إباحة اتِّخاذ العقار التي يُبتَغى منها الفضل والمعاش بالعمارة، وإباحة اتِّخاذ نظائر ذلك من المغنم وأعيان الذَّهب والفضَّة كسائر الأموال التي يراد بها النَّماء والمنافع لطلب المعاش وأصولها ثابتةٌ، وستأتي هذه المسألة في باب نفقة النَّبيِّ صلعم بعد وفاته، بزيادةٍ فيها، [خ¦3096] ويأتي أيضًا في كتاب الأطعمة إن شاء الله. [خ¦5423] [خ¦5424]
          قال الطَّبريُّ: وفيه من الفقه أنَّ أبا بكر قضى على العبَّاس وفاطمة بقول رسول الله صلعم: (لَا نُورَثُ) ولم يحاكمهما في ذلك إلى أحدٍ غيره، فكذلك الواجب أن يكون للحكام والأئمَّة الحكم بعلومهم لأنفسهم كان ذلك أو لغيرهم، بعد أن يكون ما حكموا فيه بعلومهم ممَّا يعلم صحَّة أمره رعيَّتهم، أو يعلمه منهم من أن يحتاجوا إلى شهادته إن أنكر بعض ما حكموا به من ذلك عليهم بعض رعيَّتهم، كان في شهادتهم لهم براءة ساحاتهم، وثبوت الحجَّة لهم على المحكوم عليه.
          قال الطَّبريُّ: وفي حديث عليٍّ أنَّ المسلمين كانوا في أوَّل الإسلام يشربون الخمر ويسمعون الغناء حتَّى نهى الله عن ذلك بقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[المائدة:90]إلى قوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}[المائدة:91]وسيأتي ما في سماع الغناء عن السَّلف في كتاب الاستئذان [خ¦6301] وفي كتاب فضائل القرآن، [خ¦5001] وقد تقدَّم منه شيءٌ في كتاب صلاة العيدين. [خ¦949]
          وقوله: (رَجَعَ القَهقَرَى) قال الأخفش: يعني: رجع وراءه ووجهه إليك.
          وقوله في حديث عمر: (مَتَعَ النَهَارُ) قال صاحب «العين»: مَتعَ النَّهار مُتوعًا، وذلك قبل الزَّوال.
          وفي قوله: (تَيْدَكُم أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ) فذكر الكسائيُّ في كتابه الذي شرحه: رُوَيد زيدٍ وَتَيدَ زيدًا ورويدًا زيدًا بمعنى واحدٍ، ومعناه: أمهل زيدًا، ومن روى: أتيدكم، فلا يجوز في العربيَّة؛ لأنَّ أتاد لا يتعدَّى إلى مفعولٍ، لا تقول: أتادت زيدًا، وإنَّما تقول: تَيدَكم، كما تقول رويدكم، ومن روى: أُجِبَّت أسنمتُها، فلا يعرف ذلك في اللُّغة، إنَّما تقول العرب: جبَّ الشَّيء إذا قطع منه، ومنه قيل للذي قطع إحليله فاستؤصل: مجبوبٌ، ومن رواه: اجتبت فهو جائزٌ. والثَّمِل: السَّكران. وسأذكر ما في هذا الحديث من الغريب في كتاب المياه في باب: بيع الحطب والكلأ إن شاء الله. [خ¦2375]
          قال الخطَّابيُّ: وقد احتجَّ بعض أهل العلم بهذا الحديث في إبطال أحكام السَّكران وقالوا: لو لزم السَّكران ما يكون منه في حال سكره كما كان يلزمه في حال صحوه لكان المخاطب رسول الله صلعم بما استقبله به حمزة كافرًا مباحَ الدَّم.
          قال أبو سليمان: وقد ذهب على هذا القائل أنَّ ذلك كان منه إنَّما كان قبل تحريم الخمر وفي زمانٍ كان شربها مباحًا، وإنَّما حرِّمت الخمر بعد غزوة أحدٍ. قال جابر: ((اصطبح النَّاس الخمر يوم أحدٍ، ثمَّ قتلوا آخر النَّهار شهداء)) فأمَّا وقت شربت فشربها معصيةٌ، وما تولَّد منها لازمٌ، ورخَّص الله ما تلحق العاصي.
          قال المُهَلَّب: ذهب الخطَّابيُّ إلى أنَّه لمَّا كانت الخمر مباحةً وقت شربها كان ما تولَّد منها بالسُّكر من الجفاء على النَّبيِّ صلعم لا تلزم فيه عقوبةٌ، فعذره صلعم لتحليل الخمر مع أنَّه كان شديد التَّوقير لعمِّه والتَّعظيم له والبرِّ به. فأمَّا اليوم والخمر محرَّمةٌ فيلزم السَّكران حدُّ الفرية وجميع الحدود؛ لأنَّه سبب زوال عقله من فعل محرَّمٍ عليه، وأمَّا ضمان إتلاف النَّاقتين فلزم حمزة ضمانهما لو طالبه عليٌّ بذلك، ويمكن أن يعوِّضه النَّبيُّ صلعم منهما؛ / إذ العلماء لا يختلفون أنَّ جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلَّفين، ويلزمهم ضمانها في كلِّ حالٍ كما يلزم العقلاء.
          فإن قيل: فما تقول فيمن سكر من لبنٍ أو طعامٍ أو دواءٍ مباحٍ فقذف غيره؟
          والجواب: أن يحمل محمل المجنون والمغمى عليه والصَّبيِّ، يسقط حدُّ القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال؛ لقوله صلعم: ((رفع القلم عن المجنون حتَّى يفيق، وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتلم)) فمن سكر من شيءٍ حلالٍ فحكمه حكم هؤلاء.
          وقد بلغني عن الفقيه أبي عبد الله بن الفخَّار أنَّه كان يقول: من سكر من لبنٍ أو طعامٍ حلالٍ أنَّه لا يلزمه طلاقٌ إن طلَّق في حاله تلك. وحكى الطَّحاويُّ أنَّه إجماعٌ من العلماء.


[1] في (ص): ((والأعراب)) والمثبت من المطبوع.
[2] في (ص): ((أنس)) والمثبت من المطبوع.
[3] قوله: ((قال عمر)) ليس في (ص) والمطبوع والمثبت من الصحيح.
[4] قوله: ((هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ)) ليس في (ص) والمثبت من المطبوع.
[5] في (ص) والمطبوع: ((مواصله)) والمثبت من التوضيح.