شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

          ░139▒ باب: مَا قِيلَ في الَجرَسِ في أَعْنَاقِ الإِبِلِ
          فيه: عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ _فقَالَ عَبْدُ اللهِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ في مَبِيتِهِمْ_ فَأَرْسَلَ رَسُولُ(1) رَسُولًا: (لا يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ). [خ¦3005]
          قال مالكٌ في «الموطَّأ» بإثر هذا الحديث: أرى ذلك من العين، ففسَّر المعنى الذي من أجله أمر الرَّسول صلعم بقطع القلائد؛ وذلك أنَّ الذي قلَّدها إذا اعتقد أنَّها تردُّ العين فقد ظنَّ أنَّها تردُّ القدر، ولا يجوز اعتقاد هذا، ولذلك روي أنَّ الرِّفقة الذي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، ولا بأس بتعليق التَّمائم والخرز التي فيها الدُّعاء والرُّقى بكتاب الله عند جميع العلماء؛ لأنَّ ذلك من التَّعوُّذ بأسماء الله، وقد سئل عيسى بن دينارٍ عن قلادةٍ ملوَّنةٍ فيها خرزٌ يعلِّقها الرَّجل على فرسه للجمال. فقال: لا بأس بذلك إذا لم تجعل للعين.
          قال المُهَلَّب: إنَّما تجعل القلائد من وتر لقوَّتها ونقائها، فخصَّها ◙، ثمَّ عمَّ سائر القلائد بقوله: (وَلَا قِلَادَةٍ إلَا قُطِعَتْ)، فأطلق النَّهي على جميع ما تُقَلَّد به الدَّوابُّ.
          وقد سئل مالكٌ عن القلادة فقال: ما سمعت بكراهته إلَّا في الوتر. قال أبو عبيدٍ: وإنَّما نهى عن التَّقليد بالأوتار؛ لأنَّ الدَّوابَّ تتأذَّى بذلك، وربَّما تعلَّق ذلك بشجرٍ فتختنق فتموت.
          وقد روي عن الرَّسول ◙: ((قلِّدوها(2) الحبل، ولا تُقلِّدوها الأوتار)) وفسَّره وكيعٌ فقال: معناه: لا تركبوها في الفتن خشية أن يتعلَّق على راكبها وترٌ يُطَالب به.


[1] في (ص): ((فأرسل الله رسولًا)) والمثبت من المطبوع.
[2] في (ص): ((قلدها)) والمثبت من المطبوع.