شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا تمنوا لقاء العدو

          ░156▒ باب: لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ
          فيه: ابْنُ أبي أَوْفَى قَالَ النَّبيُّ ◙: (لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ). [خ¦3024] [خ¦3025]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ ◙، وزادَ: (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا). [خ¦3026]
          نهى الرَّسول صلعم أمَّته عن تمنِي لقاء العدوِّ؛ ولأنَّه لا يعلم ما يؤول أمره إليه ولا كيف ينجو منه، وفي ذلك من الفقه النَّهي عن تمنِّي المكروهات، والتَصدِّي للمحذورات، ولذلك سأل السَّلف العافية من الفتن والمحن؛ لأنَّ النَّاس مختلفون / في الصَّبر على البلاء، ألا ترى الذي أحرقته الجراح في بعض المغازي مع رسول الله ◙ فقتل نفسه، وقال الصِّدِّيق: (لَأنْ أُعافى فأشكر أحبُّ إليَّ من أن أُبتلى فأصبر).
          وروي عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنَّه قال لابنه: (يا بنيَّ لا تَدعوَن أحدًا إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فاخرج إليه؛ لأنَّه باغٍ، والله تعالى قد ضمن نصر من بُغِي عليه).
          وأمَّا أقوال الفقهاء في المبارزة، فذكر ابن المنذر قال: أجمع كلُّ من نحفظ عنه من العلماء أنَّ على المرء أن يبارز، ويدعو إلى البِراز بإذن الإمام، غير الحسن البصريِّ فإنَّه يكره المبارزة ولا يعرفها، هذا قول الثَّوريِّ والأوزاعيِّ وأحمد وإسحاق.
          وأباحت طائفة البِراز، ولم يذكر بإذن الإمام ولا بغير إذنه، هذا قول مالكٍ والشَّافعيِّ، وسئل مالكٌ عن الرَّجل يقول بين الصَّفَّين: من يبارز؟ قال: ذلك إلى نيَّته، إن كان يريد به وجه الله فأرجو ألَّا يكون به بأسٌ، قد كان يفعل ذلك من مضى. وقال أنس بن مالكٍ: قد بارز البراء بن مالكٍ مَرزُبان الزَّأرة فقتله. وقال أبو قَتادة: بارزت رجلًا يوم حنينٍ فقتلته، وأعطاني النَّبيُّ صلعم سلبه، وليس في خبره أنَّه استأذن الرَّسول صلعم في ذلك.
          واختلفوا في معونة المسلم المبارز على المشرك، فرخَّص في ذلك الشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق، وذكر الشَّافعيُّ قضيَّة حمزة وعبيدة، ومعونة بعضهم بعضًا، قال: فأمَّا إن دعا مسلمٌ مشركًا، أو مشركٌ مسلمًا إلى أن يبارزه، وقال له: لا يقاتلك غيري أحببت أن يكفَّ عن أن يحمل عليه غيره. وكان الأوزاعيُّ يقول: لا تعينوه على هذا. قيل للأوزاعيِّ: وإن لم يشترط ألَّا يخرج إليه غيره؟ قال: وإن لا؛ لأنَّ البارزة إنَّما تكون على هذا، ولو حجزوا بينهما ثمَّ خلُّوا سبيل العلج المبارز، فإن أعان العدوُّ صاحبهم فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم.