شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة

          ░43▒ باب: الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ وعُرْوَةَُ بنُ أبي الجَعدِ: قَالَ النَّبيُّ ◙: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). [خ¦2849]
          وفيه: أَنَسٌ قَالَ الرَّسول ◙: (الْبَرَكَةُ في نَوَاصِي الْخَيْلِ).
          وترجم له:
          باب الْجِهَادُ مَاضٍ مَن الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ
          لقول الرَّسول ◙: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). [خ¦2851]
          وفيه: عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ، قَالَ النَّبيُّ ◙: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأجْرُ وَالْمَغْنَمُ). [خ¦2850]
          قال بعض أهل العلم: معناه الحثُّ على ارتباط الخيل في سبيل الله، يريد أنَّ من ارتبطها كان له ثواب ذلك فهو خيرٌ آجلٌ، وما يصيب على ظهرها من الغنائم وفي بطونها من النِّتاج خيرٌ عاجلٌ، وخصَّ النَّواصي بالذِّكر؛ لأنَّ العرب تقول: فلانٌ مبارك النَّاصية، فيكنى بها عن الإنسان.
          وقال المُهَلَّب: استدلال البخاريِّ صحيحٌ أنَّ الجهاد ماضٍ مع البرِّ والفاجر إلى يوم القيامة. من أجل أنَّه أبقى ◙ الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة. وقد علم أنَّ من أمَّته أئمَّة جورٍ لا يعدلون، ويستأثرون بالمغانم، فأوجب هذا الحديث الغزو معهم، ويقوِّي هذا المعنى أمره بالصَّلاة وراء كلِّ برٍّ وفاجرٍ من السَّلاطين، وأمره بالسَّمع والطَّاعة ولو كان عبدًا حبشيًّا.
          وقوله: (فالأجْرُ وَالْمَغْنَمُ) يفسر قوله: ((مع ما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ)) أنَّ ((أو)) بمعنى الواو فكأنَّه قال: ((مع ما نال من أجرٍ وغنيمةٍ أو أجرٍ)).
          وقوله: (الْخَيْلُ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ) لفظه لفظ العموم، والمراد به الخصوص؛ لأنَّه لم يرد إلَّا بعض(1) الخيل بدليل قوله: ((الخيل لثلاثةٍ)) فبيَّن أنَّه أراد الخيل الغازية في سبيل الله، فإنَّ الخير المعقود في نواصيها إنَّما هو أجرٌ في سبيل الله، لا أنَّها على كلِّ وجوهها معقودٌ في نواصيها الخير، بل إذا كانت مستعملةً في سبيل الله أو معدَّةً لذلك فإنَّ الإنفاق عليها خيرٌ أو أجرٌ دون ما كان منها وزرًا، وقال مثله ابن المنذر. والنَّاصية: الشَّعر المسترسل على الجبهة، عن الخطَّابيِّ.


[1] قوله: ((بعض)) غير واضحة في (ص) وبيض لها في المطبوع والمثبت هو المناسب للسياق.