شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}

          ░11▒ باب قَوْلِ اللهِ تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}[التوبة:52]وَالْحَرْبُ سِجَالٌ
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ. [خ¦2804]
          قال المُهَلَّب: قوله تعالى: {إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} يريد الفتح والغنيمة، أو الشَّهادة والجنَّة.
          قال المؤلِّف: هذا قول جماعة أهل التَّأويل، واللَّفظ استفهامٌ والمعنى توبيخٌ.
          فإن قيل: أغفل البخاريُّ أن يذكر تفسير الآية في الباب، وذكر حديث ابن عبَّاسٍ: (أنَّ الحربَ سِجالٌ)، فما تعلُّقه بالآية التي ترجم بها؟
          قيل: تعلُّقه بها صحيح، والآية مصدِّقة للحديث، والحديث مبيِّن للآية وإذا كانت الحرب سجالًا، فذلك إحدى الحسنيين؛ لأنَّها إن كانت علينا فهي الشَّهادة، وهي أكبر الحسنيين، وإن كانت لنا فهي الغنيمة، وهي أصغر الحسنيين، فالحديث مطابقٌ لمعنى الآية.
          قال المُهَلَّب: فكلُّ فتحٍ يقع إلى يوم القيامة أو غنيمةٍ فإنَّه من إحدى الحسنيين له، وإنَّما يبتلي الله الأنبياء ليعظم لهم الأجر والمثوبة ولمن معهم، ولئلَّا يخرق العادة الجارية بين الخلق، ولو أراد الله خرق العادة لأهلك الكفَّار كلَّهم بغير حربٍ، ولثبَّط أيديهم عن المدافعة حتَّى يؤسروا أجمعين، ولكن أجرى تعالى الأمور على العوائد ليأجر الأنبياء ومن معهم، ويأتوا يوم القيامة مكلومين شهداء في سبيل الله ظاهري الوسيلة والشَّفاعة، وقد تقدَّم تفسير الحديث: (سِجَال) في كتاب بدء الوحي، [خ¦7] والحمد لله.