شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التحريض على الرمي

          ░78▒ باب: التَّحْرِيضِ على الرَّمْي وَقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}[الأنفال:60].
          فيه: سَلَمَةُ: (مَرَّ الرَّسُولُ صلعم على نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبيُّ ◙: ارْمُوا يا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: مَا لَكُمْ لا تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ فقَالَ ◙: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ). [خ¦2899]
          وفيه أَبُو سعيدٍ قَالَ: (قَالَ الرَّسُولُ صلعم يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ). [خ¦2900]
          قال ابن المنذر: ثبت أنَّ النَّبيَّ صلعم قال في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]: ((ألا وإنَّ القوَّة الرَّمي)). رواه المقرئ، عن سعيد بن أبي أيُّوب، حدَّثنا يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزنيِّ، عن عقبة بن عامرٍ، عن النَّبيِّ ◙.
          قال المُهَلَّب / فيه من الفقه: أنَّ للسُّلطان أن يأمر رجاله بتعليم الرَّمي وسائر وجوه الحرابة ويحضُّ عليها.
          وفيه: أنَّه يجب أن يطلب الرَّجل خلال أبيه المحمودة ويتبعها ويعمل مثلها؛ لقوله: (ارْمُوا فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا).
          وفيه: أنَّ السُّلطان يجب أن يعلم المجودين أنَّه معهم أي في حزبهم ومحبٌّ لهم كما فعل الرَّسول صلعم في المجودين للرِّماية فقال: (وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ) أي: أنا محبٌّ لهم ولفعلهم كما قال ◙: ((المرء مع من أحبَّ)).
          وفيه من الفقه: أنَّه يجوز للرَّجل أن يبين عن تفاضل إخوانه وأهله وخاصَّته في محبَّته، ويعلِّمهم كلَّهم أنَّهم في حزبه ومودَّته، كما قال ◙: (أَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ) بعد أن كان أفراد إحدى الطَّائفتين.
          وفيه: أنَّ من صار السُّلطان عليه في جملة الحزب المناضلين له ألَّا يتعرَّض لمناوأته كما فعل القوم حين أمسكوا؛ لكون الرَّسول صلعم مع مناضليهم خوف أن يرموا فيسبقوا فيكون النَّبيُّ صلعم مع من سبق فيكون ذلك حقًّا على النَّبيِّ، وأمسكوا تأدُّبًا عليه، فلمَّا أعلمهم أنَّه معهم أيضًا رموا؛ لسقوط هذا المعنى.
          وفيه: أنَّ السُّلطان يجب أن يعلم بنفسه أمور القتال كما فعل ◙.
          وقوله: (يَنْتَضِلُونَ) يعني: يرمون. تقول: ناضلت الرَّجل: راميته.
          وقوله: (أَكْثَبُوكُمْ) أي: قربوا منكم. تقول العرب: أكثبك الصَّيد: قرب منك. والكثب: القرب. من كتاب «الأفعال».