شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[كتاب الكسوف]

          ░░16▒▒
          ░1▒ باب الصَّلاة في كسوف الشَّمس.
          فيه: أَبُو بَكْرَة، قَالَ(1): (كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلعم، فَانْكَسَفَتِ(2) الشَّمْسُ، فَقَامَ(3) رسُول الله صلعم(4) يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فقال: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا(5) رَأَيْتُمُوهُا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَكْشِفَ(6) مَا بِكُمْ). [خ¦1040]
          وروى أبو مسعودٍ مثل معناه، ورواه ابن عمر والمغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صلعم وقالا: (لِمَوْتِ(7) أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ)، وقال المغيرة في حديثه: (كُسِفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِهِ(8)).
          سُنَّة صلاة الكسوف أن تُصلَّى ركعتين في جماعةٍ، هذا(9) قول جمهور الفقهاء(10) إلَّا أنَّ في حديث عائشة وغيرها(11): في كلِّ ركعةٍ ركوعان، وهي زيادة يجب قبولها. وخالف ذلك الكوفيُّون وقالوا: إنَّها ركعتان كصلاة الصُّبح، وظاهر حديث أبي بكرة(12) حجَّةٌ للكوفيِّين لأنَّه حديثٌ مجملٌ(13) لا ذكر فيه لصفة الصَّلاة، وإنَّما قال فيه(14) عن النَّبيِّ صلعم: (فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ).
          وفيه: أنَّه ينبغي أن تطوَّل صلاة الكسوف إلى أن تنجلي الشَّمس، فإن ظنَّ النَّاس أنَّه قد قرب انجلاؤها لم يكن عليهم(15) أن يزيدوا(16) ركعتين أُخريين(17)، وعليهم الدُّعاء والتَّضرُّع إلى الله ╡ حتَّى تنجلي.
          وقد استدلَّ قومٌ من العلماء بقوله(18)◙: (إِذَا(19) رَأَيتُموها(20) فصلُّوا، وادعوا حتَّى يكشف(21) ما بكم)، على أنَّه لا ينبغي أن تُقطع صلاة الكسوف حتَّى تنجلي الشَّمس.
          قال الطَّحاويُّ: فيُقال(22) لهم: قد جاء في هذا الحديث (فصلُّوا وادعوا حتَّى تَنجَلي الشَّمسُ(23))، ذكره البخاريُّ(24) في باب الدُّعاء في الكسوف من حديث المغيرة بن شعبة [خ¦1060].
          وروى(25) أبو موسى عن النَّبيِّ صلعم: ((وإذا(26) رَأيتُم شيئًا مِنْ ذلكَ فافزَعوا إلى ذكرِ اللهِ(27) ودعائهِ واستغفارِهِ))، ذكرَه البخاريُّ في باب الذِّكر في الكسوف(28) [خ¦1059]، قال: فأمر رسول الله صلعم بالدُّعاء عندهما والاستغفار كما أمر بالصَّلاة، فدلَّ ذلك أنَّه لم يُرد منهم(29) عند الكسوف الصَّلاة خاصَّةً، ولكن أُريد منهم ما يتقرَّبون به إلى الله ╡ من الصَّلاةِ والدُّعاءِ والاستغفارِ وغيرِه.
          وقد اختلف بعض أصحاب مالكٍ إن تجلَّت الشَّمس قبل فراغ الصَّلاة، فقال أَصْبَغ في «العتبيَّة»: يُتمُّها على ما بقي من سنَّتها حتَّى يفرغَ(30) منها ولا ينصرف إلَّا على شفعٍ، وقال سَحنون: يصلِّي ركعةً واحدةً(31) وسجدتين، ثمَّ ينصرفُ ولا يصلِّي باقي الصَّلاة على سنَّة الخسوف(32).
          وقوله في حديثِ أبي بكرة(33): (فَقَامَ الَّنبيُّ صلعم يَجُرُّ رِدَاءَهُ) فيه ما كان عليه النَّبيُّ صلعم من خوف الله تعالى(34)، والبدار إلى طاعته، ألا ترى أنَّه قام إلى الصَّلاة فزِعًا وجرَّ رداءه شغلًا بما نزل، وهذا يدلُّ أنَّ جرَّ الثَّوب لا يذمُّ إلَّا ممَّن(35) قصد ذلك واعتمده(36).
          وفيه: إبطالُ ما كان عليه أهل الجاهليَّة من اعتقادهم أنَّ(37) الشَّمسَ تكسفُ(38) لموت الرَّجل من عظمائهم، فأعلمهم صلعم: (أنَّها لا تنكَسِف لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا / لِحَيَاته) وإنَّما هو(39) تخويفٌ وتحذيرٌ، وفيه: ردٌّ(40) على من زعم أنَّ النُّجوم تسقط عند موت أحدٍ(41).


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م) و (ق).
[2] في (م) و(ق): ((وانكسفت)).
[3] في (ص): ((فقال)).
[4] في (م) و(ق): ((فقام ◙)).
[5] في (ق) و(م): ((فإذا)).
[6] في (ص): ((يَنكشف)).
[7] في (ص): ((وهما لا لموت)) بدل قوله: ((وقالا لموت)).
[8] زاد في (م) و(ق): ((وقال في آخر الحديث: فإذا رأيتم فصلوا وادعوا)).
[9] في (م) و(ق): ((وهو)).
[10] في (ص): ((العلماء)).
[11] في (م) و(ق): ((وغيره)).
[12] في (ص): ((بكر)).
[13] في (م) و(ق): ((لأنه مجمل)).
[14] زاد في (ص): ((قال)).
[15] في (م) و(ق): ((لهم)).
[16] في (م): ((يبتدوا)).
[17] في (ق): ((أخرتين))، في (ص) غير منقوطة بالكامل.
[18] في (ص): ((لقوله)).
[19] في (م): ((فإذا)).
[20] قوله ((إذا رأيتموها)) ليس في (ق).
[21] في (ص): ((يُكشَف)) بضبط الحركات.
[22] في (ص): ((يقال)).
[23] قوله: ((تنجلي)) ليس في (م).
[24] قوله ((في هذا الحديث فصلوا وادعوا حتى تنجلي الشمس، ذكره البخاري)) ليس في (ق).
[25] في (ص): ((روى)).
[26] في (م): ((شعبة، وجاء فيه وإذا))، و في (ق): ((شعبة وجاء فيه فإذا)).
[27] في (م) و(ق): ((ذكره)).
[28] زاد في (م) و(ق): ((من حديث أبي موسى عن النبي ◙)).
[29] قوله: ((منهم)) زيادة من النسخ على (ز).
[30] في (ص): ((يتفرغ)).
[31] قوله: ((واحدة)) ليس في (م).
[32] في (ص): ((الخوف)).
[33] في (ص): ((بكر)).
[34] في (ص): ((من الخوف لله)).
[35] في (م) و(ق): ((لمن)).
[36] في (ص): ((واعتمد)).
[37] في (ق): ((اعتقادهم وفيه أن)).
[38] في (ص): ((تنكسف)).
[39] في (م) و(ق): ((هي)).
[40] في (ق): ((مرد)).
[41] في (م) و(ق): ((تسقط لموت أحد من الناس)).